للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقد البيع وغيره من عقود المال أولى بهذا الحكم من عقد النكاح، إذ يتساهل في البيع ونحوه بما لا يتساهل به في عقد النكاح، وعلى ذلك يجوز لمن أرسل إليه الإيجاب بالكتاب إذا قرأه، فلم يقبله في أول مجلس، أن يقرأه في مجلس آخر، ثم يقبل، ويكون مجلس العقد مجلس كل قراءة، ويؤيد ذلك ما جاء في رد المحتار: أن الإيجاب بالبيع إذا كان في كتاب مرسل إلى المشتري يتجدد بقراءة الكتاب مرة أخرى في مجلس آخر، فيصح حينئذ القبول في هذا المجلس، وإن لم يقبل في المجلس السابق، وهذا يخالف ظاهر ما جاء في الهداية.

وقد يقال مع هذا: إن التلفظ ليس شرطًا في عقود المعاوضات المالية، بخلاف عقد النكاح، فلا ينعقد إلا باللفظ (١)، وإذن فلا داعي لقراءة الكتاب مرة أخرى، بل يعتبر وجوده وقيامه إيجابًا بالكتابة، فإذا علم مضمونه كان للمرسل إليه أن يقبل في أي وقت، وينشأ بذلك العقد لقيام الإيجاب بقيام الكتاب، وعندئذ لا يمكن إلا أن يعتبر مجلس العقد في هذه الحالة هو مجلس القبول، ويصح قبوله في كل وقت ما لم يرفض» (٢).

والكلام هذا وجيه إلا أنه يتضمن ضررًا على الموجب إذا قيل: إن للقابل أن يؤخر القبول إلى أي وقت يشاء، والضرر منتف.

واختار أبو زهرة أن قياس البيع على النكاح قياس مع الفارق؛ لأن مجلس الكتاب بالنسبة للنكاح ليس مجلس وصول الكتاب، وإنما المجلس الذي يحضر فيه الشهود؛ لأن النكاح يحتاج إلى شهود على القول بأن الشهود شرط في صحة


(١) يذهب بعض الحنفية إلى جواز أن يكون الإيجاب بالنكاح بالكتابة إذا كان أحد العاقدين غائبًا، فاشتراط اللفظ في النكاح ليس على إطلاقه، والنص الذي نقلناه عن جواهر زاده واضح أن الإيجاب كان عن طريق الكتابة، والله أعلم.
(٢) أحكام المعاملات - على الخفيف (ص: ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>