فليس الأصل عدمه، بل هو مقتضى أصول الشريعة فإن أصول الشريعة تأبى إلحاق الضرر بالشريك، خاصة أن حق شراكته سابقة ملك المشتري، وقد دخل المشتري وهو يعلم أن المال فيه شراكة، فإذا باع شريك نصيبه على غير شريكه، مع رغبة الشريك بالشراء، فإن هذا قد يلحق ضررًا كبيرًا بالشريك، ومن تأمل مصادر الشريعة ومواردها تبين له أن الشارع لا يُمَكِّن هذا الشريك من نقل نصيبه إلى غير شريكه، وأن يلحق به من الضرر مثل ما كان عليه أو أزيد منه، مع أنه لا مصلحة له في ذلك.
ثانيًا: لا يسلم بأن الشفعة ثبتت على خلاف القياس، بل القياس الصحيح يقتضيها، فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن، فإن لم يمكن رفعه إلا بضرر أعظم منه تركه على حاله، وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به، ولما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب لأن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض، كما قال تعالى:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ}[ص: ٢٤] لذلك شرع الله سبحانه وتعالى رفع هذا الضرر: بالقسمة تارة وانفراد كل شريك بنصيبه، وبالشفعة تارة، وانفراد أحد الشريكين بالجملة إذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك، فإذا أراد بيع نصيبه، وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من الأجنبي، وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان، فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي، ويزول عنه ضرر الشركة، ولا يتضرر البائع؛ لأنه يصل إلى حقه من الثمن، وكان هذا من أعظم العدل وأحسن الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد، وبهذا يتبين أن القياس الصحيح يدل على ثبوت الشفعة وأنه ليس في الشريعة ما يخالف القياس (١).
(١) انظر إعلام الموقعين (٢/ ١٤٢)، المبسوط (١٤/ ٩٠).