للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحل له أن يبيع) ليس معناه التحريم، إذ لو كان محرمًا لم يقل في آخر الحديث: فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به، ويكون معنى لا يحل له: أي يكره له، ويصدق على المكروه أنه ليس بحلال، ويكون الحلال: بمعنى: المباح: وهو مستوي الطرفين، والمكروه ليس بمستوي الطرفين، بل هو راجح الترك (١).

واعترض الشوكاني على هذا التأويل بأن المكروه من أقسام الحلال كما تقرر في الأصول (٢).

قلت: ما تقرر في اصطلاح الأصول لا يلزم أن يكون مسلمًا في لغة الشرع، فالمكروه عند الأصوليين ليس هو المكروه عند السلف.

وقال القرطبي في شرح مسلم: «هو محمول على الإرشاد إلى الأولى بدليل قوله: (فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به) ولو كان ذلك على التحريم لذم البائع، ولفسخ البيع، لكنه أجازه وصححه، ولم يذم الفاعل، فدل على ما قلناه، وقد قال بعض شيوخنا: إن ذلك يجب عليه» (٣).

ويمكن أن يقال: إن التحريم والصحة غير متلازمين لكن القرينة عندي في صرف النهي عن التحريم: كون النهي عن البيع قبل إعلام الشريك ليس لحق الله، وإنما هو لحق الشريك، وحق الشريك محفوظ سواء أخبره قبل البيع أو لم يخبره حتى باع، وما دام أن حقه قد حفظ لم يبلغ النهي التحريم، كما في النهي عن تلقي الجلب، وإذا تلقاه كان صاحبه بالخيار، والنهي عن تلقي الجلب للكراهة، وليس للتحريم، والله أعلم.


(١) انظر الفتاوى الهندية (٥/ ٣٦٤)، المفهم في شرح مسلم (٤/ ٥٢٧)، شرح النووي على صحيح مسلم (١١/ ٤٦)، مرقاة المفاتيح (٦/ ١٤٥).
(٢) نيل الأوطار (٦/ ٨٣).
(٣) المفهم في شرح مسلم (٤/ ٥٢٧)، وانظر مواهب الجليل (٥/ ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>