الحمد لله رب العالمين، وأثني بالصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى من اتبعهم بإحسان من الأولين والآخرين، أما بعد
فهذا هو المجلد الحادي عشر، وهو مخصص لعقد الربا، وهو العقد الحادي عشر، وقد سبقه البيع، والسلم، والاستصناع، والمقاولة، والتوريد، والمناقصة، والإجارة، والجعالة، والشفعة، والحوالة، وقد تعمدت تأخير عقد الربا عن عقود المعاوضات؛ لأن الله سبحانه وتعالى نفى عنه أنه من البيع، قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَاا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَاا}[البقرة:٢٧٥] فقدمت عليه سائر عقود المعاوضات، وجعلته بينها وبين عقود الشركات؛ ذلك أن عقود الشركات ليست من عقود المعاوضات المحضة، وإنما فيها شوب معاوضة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى عند الكلام على عقود الشركة.
وعقد الربا من أخطر العقود، وهو مقام زلل زل فيه كثير من الكتاب المتأخرين تقصيرًا أو قصورًا. ومن رزق الانضباط في عقد الربا فقد رزق الانضباط في سائر عقود المعاوضات، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يجنبني الزلل في هذه البحوث، وأن أكون قد أغلقت فيه أبوابًا قد اقتحمها بعض إخواني تحت ضغط الحاجة وطلب التيسير على الناس، وبسبب سيطرة الهيمنة الغربية على اقتصاد المسلمين غير منتبهين إلى ما ينتجه هذا التساهل وعدم الانضباط على الأمة من شر كبير وخطر جلل، وقد كانت خطة البحث في عقد الربا على النحو التالي: