فكلمة (وهم يسلفون في الثمار) تعبير عن جميع المزارعين أو غالبهم، وهذا لا يكون إلا في الأمور الإنتاجية، لأن الأمور الاستهلاكية لا يمكن أن يعبر عنها بلفظ الجمع؛ لأنها حاجة خاصة، وكان سبيل المزارعين في ذلك هو اللجوء إلى بيع السلم، زيادة المبيع في مقابل تقديم الثمن.
وأما مكة فمن المعلوم أنها لم تكن أرضًا زراعية، وكان أهلها يعتمدون على التجارة، وكانت لهم رحلتين امتن الله بها عليهم: رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، وكانت القوافل تخرج من مكة لتعود محملة بمختلف البضائع، وكانت قريش كلها تساهم في تمويلها، والتمويل يحتاج إلى رأس مال، ومن لم يكن لديه رأس مال لجأ إلى الاقتراض بالربا.
(ث-١٢٢) ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في دين الزبير بن العوام رضي الله عنه، يقول ابنه عبد الله:«وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه، فيقول الزبير: لا، و لكنه سلف، فإني أخشى عليه الضيعة ... قال عبد الله: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف، ومائتي ألف»(١).
وعمل الزبير يشبه عمل البنوك الإسلامية اليوم، حيث تودع الأموال فيها على شكل قروض مضمونة، فهذا الدين الضخم الذي على الزبير لا يمكن أن يعتبر من قبيل القروض الاستهلاكية.
(ث-١٢٣) وروى مالك في الموطأ، عن زيد بن أسلم،
عن أبيه أنه قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة، فرحب بهما وسهل، ثم قال: