للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني والثالث: ربا الفضل وربا النسيئة الواردين في الحديث النبوي الشريف، فتبيحهما الحاجة، وأن المنع منهما من قبيل سد الذريعة حتى لا يفضي ذلك إلى الربا المحرم القطعي.

وممن اتجه إلى هذا فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا (١)،


(١) يقول الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه الربا والمعاملات في الإسلام (ص: ٨٣): «وحديث النهي عن بيع النقدين، وأصول الأقوات إلا يدًا بيد مثلًا بمثل ليس تفسيرًا لربا القرآن، ولا حصرًا للربا في البيع، وإنما هو لسد الذريعة لارتكاب ربا القرآن، وإلا فهو لذاته ليس فيه من المفسدة ما يقتضي هذا الوعيد الشديد في آيات البقرة».
وقال أيضًا (ص: ١٣٢): «وقد علمنا أن الله تعالى لم يحرم في كتابه إلا ربا النسيئة الذي هو أخذ الزيادة في المال لأجل تأخير ما في الذمة منه، الذي من شأنه أن يتضاعف، ويكون مخربًا للبيوت، ومفسدًا للعمران، ومبطلًا لفضائل التراحم، والتعاون بين الناس».

وقال أيضًا (ص: ١٣٧ - ١٣٩): «إذا تمهد هذا ظهر به أن الحق في الربا الذي نهى الله تعالى عنه في كتابه، وتوعد فاعله بما لم يتوعد على ذنب آخر أنه ربا النسيئة الذي كان معروفًا في الجاهلية، كما قال من ذكرنا عباراتهم من إعلام العلماء المستقلين، والتابعين لبعض الأئمة في النظر والاستدلال، لا مجرد التعبد بالآراء والأقوال، ممن لا تعد آراؤهم، وأقوالهم حجة بإجماعهم، وإجماع الأمة كلها، وإمام هؤلاء القائلين بذلك حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ونعيد القول، ونكرره، بأنه: هو ما يؤخذ من المال لأجل تأخير الدين المستحق في الذمة إلى أجل آخر، مهما يكن أصل ذلك الدين من بيع، أو قرض، أو غيرهما، فلا يدخل في مفهومه ما يزاد في أصل الدين عند عقده على ما يعطى للمدين ربحًا له، وإنما هو ما يعطى لأجل تأخير الدين المستحق ... وبهذا تظهر حكمة العليم الحكيم في ذلك الوعيد الشديد عليه، وفي تسميته ظلمًا، ولا يظهر هذا في كل قرض جر نفعًا، ولا في بيع أحد الأجناس الستة بمثله متفاضلًا، نقدًا، أو نسيئة، فضلًا عن تثمير الأموال بالشركات التجارية التي لا تلتزم شروط الفقهاء فيها، كما يأتي بعد، وإنما يظهر من سبب النهي عن هذه البيوع أنه سد لذريعة الربا المحرم القطعي، وهذه الذريعة مظنونة لا قطعية .... وكذلك يقال في النهي عن بيع النقدين، وأصول الأغذية المذكورة في حديث عبادة إلا يدًا بيد، مثلًا بمثل إذا اتحد الجنس، والاكتفاء بالتقابض إذا اختلف».
ولعل هذا الرأي الذي تبناه الشيخ محمد رشيد رضا تطبيق عملي لما نصح به أستاذه الشيخ محمد عبده، فقد قال الشيخ محمد عبده عفا الله عنه: «إن الناس تحدث لهم باختلاف الزمان أمور، ووقائع لم ينص عليها في هذه الكتب، فهل نوقف سير العالم لأجل كتبهم؟ هذا لا يستطاع، ولذلك اضطر العوام والحكام إلى ترك الأحكام الشرعية، ولجأوا إلى غيرها. إن أهل بخارى جوزوا الربا لضرورة الوقت عندهم، والمصريون قد ابتلوا بهذا، فشدد الفقهاء على أغنياء البلد، فصاروا يرون أن الدين ناقص، فاضطر الناس إلى الاستدانة من الأجنبي بأرباح فاحشة استنزفت ثروة البلاد، وحولتها للأجانب، والفقهاء هم المسئولون عند الله تعالى عن هذا، وعن كل ما عليه الناس من مخالفة الشريعة؛ لأنه كان يجب عليهم أن يعرفوا حالة العصر والزمان، ويطبقوا عليها الأحكام بصورة يمكن للناس اتباعها - أي كأحكام الضرورات - لاأنهم يقتصرون على المحافظة على نقوش هذه الكتب ورسومها، ويجعلونها كل شيء، ويتركون لأجلها كل شيء ... » انظر تاريخ الأستاذ محمد رشيد رضا (١/ ٩٤٤)، عن اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري (٢/ ٧٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>