والذي أميل إليه أن الذي لا يتأثر بالسكر مطلقًا لكونه قد شرب قليلًا منه، أو لكونه قد اعتاد شربه حتى أصبح لا يؤثر في عقله، أنه لا فرق بينه وبين الصاحي؛ لأن الحكم يدور مع علته، فالعلة هي الخوف من تأثير السكر على العقل، فإذا انتفى التأثير انتفى الحكم. ولذلك قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء:٤٣] فجعل غاية النهي هي إدراك ما يقول.
وأما من أثر فيه السكر ولو لم يذهب عقله بالكلية فإنه داخل في الخلاف، فإنه معروف أن من يشرب الخمرة فقد تدفعه إلى الإقدام على الصفقة من غير إدراك لعواقبها وإن كان لا يزال معه بقية من عقله، وقد تحول البخيل إلى كريم، والجبان إلى شجاع كما قال حسان:
ونشربها فتتركنا ملوكًا وأسدًا ما ينهنهنا اللقاء
وقال آخر:
فإذا شربت فإنني رب الخورنق والسدير
وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير
وأما الاحتجاج بالآية في قوله تعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء: ٤٣] وأن السكران لو كان عقله قد ذهب بالكلية لما صح أن يوجه له أمر ونهي، فكيف ينهى عن قربان الصلاة؟
فهذا استدلال ببعض الآية وترك لبعضها، فالآية تقول {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء: ٤٣] وهو دليل على أن السكران لا يعلم ما يقول. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الآية نزلت في وقت كان شرب الخمر مأذونًا فيه، وهي تنهى شارب الخمر عن شرب الخمر في أوقات الصلوات لأن شربه الخمر سيكون سببًا في تركه للصلاة، فهو خطاب للمسلم قبل سكره، لهذا كان بعض الصحابة بعد نزول هذه الآية لا يشرب الخمر إلا بعد صلاة العشاء فلا يصبح إلا وقد ذهب عنه السكر.