وإنما جعل المعيار نصف صاع فأكثر؛ لأن الشارع لم يقدر بعض المقدرات الشرعية في الواجبات المالية كالكفارات، وصدقة الفطر بأقل من نصف الصاع.
فلو قدر أن هناك مكاييل أصغر من نصف الصاع فإن المماثلة شرط على الصحيح، اختاره بعض الحنفية، كابن الهمام، والزيلعي.
يقول ابن الهمام في فتح القدير:«أما إن كانت مكاييل أصغر منها كما في ديارنا من وضع ربع القدح، وثمن القدح المصري فلا شك، وكون الشرع لم يقدر بعض المقدرات الشرعية في الواجبات المالية كالكفارات وصدقة الفطر بأقل منه لا يستلزم إهدار التفاوت المتيقن، بل لا يحل بعد تيقن التفاضل مع تيقن تحريم إهداره، ولقد أعجب غاية العجب من كلامهم هذا. وروى المعلى عن محمد أنه كره التمرة بالتمرتين، وقال: كل شيء حرم في الكثير فالقليل منه حرام»(١).
وسبق لنا مناقشة هل الكيل أو الوزن لهما أثر في علة الربا، أو أنهما وسيلة إلى منع التفاضل بين الأموال الربوية، فإذا لم يتأت معرفة التساوي عن طريق الكيل أمكن ذلك عن طريق الوزن، والكيل والوزن إنما هما لمنع التفاضل، وضبط التساوي، وليسا لهما أي أثر في علة الربا، كما قلنا: إن الذهب بالذهب المعيار الشرعي لمنع التفاضل هو الوزن، والعلة فيهما هي مطلق الثمنية.