وقال ابن عبد الهادي: «هذا إسناد جيد، وإن كان الشافعي قد قال: إنا لا نثبت مثله عن عائشة رضي الله عنها وكذلك قول الدارقطني في العالية: إنها مجهولة، لا يحتج بها، فيه نظر، وقد خالفه غيره». تنقيح التحقيق (٢/ ٥٥٨). ولم يذكر ابن عبد الهادي من خالف الدارقطني، وكل عمدته في هذا أنه ذكر قبل هذا أن ابن سعد ذكر أنها دخلت على عائشة، وسمعت منها، وأن الإمام أحمد روى الأثر في مسنده، وأن ابن الجوزي قال عن العالية بأنها جليلة القدر، وكل هذا لا أراه مخالفًا لكلام الدارقطني وابن عبد البر وابن حزم والشافعي. فإن القطع بأنها لم يوثقها معتبر، ولا تعرف بالرواية، ولم يرو عنها إلا زوجها وولدها. ومثل هذا لا يجزم الباحث بانتفاء جهالة الحال عنها. وقال ابن القيم في تهذيب السنن (٥/ ١٠٥): «فإن قيل: لا نسلم ثبوت الحديث، فإن أم ولد زيد مجهولة، قلنا: أم ولده لم ترو الحديث، وإنما كانت هي صاحبة القصة، وأما العالية فهي امرأة أبي إسحاق السبيعي، وهي من التابعيات، وقد دخلت على عائشة، وروى عنها أبو إسحاق وهو أعلم بها». وهذا الكلام من ابن القيم دليل على أنه لا يوجد توثيق لامرأة أبي إسحاق، فإن كونها من التابعيات لا يكفي، فإن أم ولد زيد تابعية أيضًا، وقد سلم أنها مجهولة. ورواية الثقة عن شخص ليس توثيقًا له، كما هو معلوم في قواعد هذا الفن. بل لو قال الراوي: حدثني الثقة لم يقبل منه، فقد يكون ثقة عنده، وليس ثقة عند غيره، وأبو إسحاق لم يعرف عنه أنه لا يروي إلا عن ثقة، فما دام أن مدار الإسناد عليها، ولم يوثقها أحد، ولم تعرف بحمل العلم، ولم يرو عنها إلا زوجها وولدها فإن جهالة حالها هو ما تقتضيه القواعد، والاحتياط للرواية أحب إلي من الاحتياط للراوي. العلة الثانية: الاختلاف فيه على أبي إسحاق: فقد رواه الدارقطني (٣/ ٥٢) وعبد الرزاق (١٤٨١٢) عن معمر بن راشد. =