للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكانت الوديعة من القيميات أم من المثليات، وذلك لتضرر مالكها بعدم الوفاء نظرًا لإعدامه.

وأما إن كان موسرًا، فإن كانت الوديعة عرضًا قيميًا فيحرم على الوديع اقتراضها؛ لانعدام المثل هنا.

وإن كانت الوديعة مثلية، فإن كانت نقودًا فيكره على الوديع اقتراضها؛ لأن المثل هنا يقوم مقام العين.

وقيل يجوز بلا كراهة. وعلل بعض المالكية الجواز بتعليلات منها:

(أ) - أن المودِع قد ترك الانتفاع بها مع القدرة عليه فجاز للمودَع الانتفاع بها، ويجري ذلك مجرى الانتفاع بظل حائطه، وضوء سراجه.

(ب) - أن المودَع لم يبطل على المودِع غرضه؛ لأنه إنما أمر بحفظها، وهذا حاصل.

(جـ) - أن الدراهم لا تتعين بالتعيين، ولذلك كان للمودَع أن يرد مثلها، ويتمسك بها مع بقاء عينها (١).

وإن كانت الوديعة المثلية ليست نقودًا، فإن كانت مما يكثر اختلافه، ولا يتحصل أمثاله، فيحرم اقتراضها كالقيميات، وإلا فيجوز تسلفها كالدراهم والدنانير في ظاهر المدونة (٢).


(١) منح الجليل (٧/ ١٠)، التاج والإكليل (٥/ ٢٥٥).
(٢) جاء في الموطأ (٢/ ٧٣٥): «قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: إذا استودع الرجل مالًا فابتاع به لنفسه، وربح فيه، فإن ذلك الربح له؛ لأنه ضامن للمال حتى يؤديه إلى صاحبه».
قال الباجي في المنتقى في شرح عبارة الإمام مالك (٥/ ٢٧٩): «وهذا على حسب ما قال: إن من تجر بمال استودعه، فربح فيه فإن الربح له وقد اختلف قول مالك في جواز السلف من الوديعة بغير إذن المودع: فحكى القاضي أبو محمد في معونته أن ذلك مكروه.

وقد روى أشهب عن مالك في العتبية أنه قال: ترك ذلك أحب إلي، وقد أجازه بعض الناس، فروجع في ذلك فقال: إن كان له مال فيه وفاء، وأشهد، فأرجو أن لا بأس به.
ووجه الكراهية: ما احتج به القاضي أبو محمد; لأن صاحبها إنما دفعها إليه; ليحفظها لا لينتفع بها، ولا ليصرفها فليس له أن يخرجها عما قبضها عليه.
وفي المدونة من رواية محمد بن يحيى، عن مالك من استودع مالًا أو بعث به معه، فلا أرى أن يتجر به، ولا أن يسلفه أحدًا، ولا يحركه عن حاله ; لأني أخاف أن يفلس أو يموت فيتلف المال ويضيع أمانته.
ووجه الرواية الثانية أنا إذا قلنا: إن الدنانير والدراهم لا تتعين ; فإنه لا مضرة في انتفاع المودع بها إذا رد مثلها وقد كان له أن يرد مثلها ويتمسك بها مع بقاء أعيانها». وانظر منح الجليل (٧/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>