للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رأى بعض العلماء المعاصرين بأنه إذا جاز الإلزام بالوعد بالمعروف، والقضاء به إذا تم على سبب، ودخل الموعود في السبب، مع أنه تبرع محض، فلأن يلزم به في المعاوضات أولى وأحرى.

وهذا القول في الحقيقة قلب للقاعدة الفقهية المعروفة: وهي أن الغرر يغتفر في باب التبرعات، أكثر منه في باب المعاوضات. ولهذا اغتفر في عقود التبرعات هبة المجهول، والوصية به، وعدم القدرة على تسليمه، وكل هذه الأمور لا يجوز بيعها.


= الدليل الثاني:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا واعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. متفق عليه انظر البخاري (٣٣)، ومسلم (٥٩).
ونوقش الاستدلال بالحديث:
المقصود بالحديث: إخلاف الوعد بأمرٍ واجبٍ، كأداء الحقوق، بدليل أن إخلاف الوعد ليس مذمومًا مطلقًا؛ لأن من وعد بمحرم، فإنه لا يحل له الوفاء به.
وأجيب:
أن الحديث فيه ذم إخلاف الوعد من حيث هو وعد، أيًا كان الموعود به، أما الواعد بمحرم فلا يجوز له الوفاء به، لا من حيث إن الوعد لا يجب الوفاء به، ولكن لأن الموعود به محرم.
القول الخامس: اختار تقي الدين السبكي الشافعي، إلى أن العدة يجب الوفاء بها ديانة لا قضاء، ورجحه فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
قال تقي الدين السبكي الشافعي كما في الفتوحات الربانية (٦/ ٢٥٨): «ولا أقول يبقى دينًا في ذمته حتى يقضى من تركته، وإنما أقول: يجب الوفاء تحقيقًا للصدق، وعدم الإخلاف».
قال السخاوي: «ونظير ذلك نفقة القريب، فإنها إذا مضت مدة يأثم بعدم الدفع، ولا يلزم به، ونحوه قولهم: في فائدة القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة: تضعيف العذاب عليهم في الآخرة مع عدم إلزامهم بالإتيان بها».
وقال الشنقيطي كما في أضواء البيان (٤/ ٣٠٤): «والذي يظهر لي أن إخلاف الوعد لا يجوز ... ولا يجبر به؛ لأنه وعد بمعروف محض».

<<  <  ج: ص:  >  >>