للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا ثبت الخيار في تلقي الجلب وفي زيادة الناجش كان الغاية من ذلك حتى لا يقع الجالب ونحوه تحت طائلة استغلال المشتري لجهل الجالب بسعر السوق، وإذا ثبت الخيار في تلقي الجلب كان الغبن في غيره مقيسًا عليه، ولا فرق، وإذا كان اشتراط عدم الغبن يمنع من صحة البيع إذا كان هناك غبن، فإن الشرط العرفي كالشرط اللفظي، فإن كل متعاقدين لا يرضى أحدهما أن يكون مغبونًا، ولو علم بالغبن لما أجرى العقد، وإذا لم يكن راضيًا بالغبن لم يتحقق شرط البيع: وهو التراضي بين المتعاقدين (١).

* * *


(١) وإذا عرفنا ذلك لدى الفقهاء نستعرض حكم الغبن لدى أهل القانون، ففي القانون الروماني لم يهتم بحكم الغبن في العقود إلا بالنسبة للقاصر، ثم صار يأخذه بعين الاعتبار في حالات استثنائية، كبيع العقار إذا لم يحصل البائع على نصف قيمة العقار، وكذلك في القسمة.
وفي القرون الوسطى اهتم رجال الدين النصراني (المسيحي) بالغبن اهتمامًا كبيرًا، فأوجبوا أن يكون العوض الذي يدفعه المتعاقد عادلًا، ولكيلا يؤدي ذلك إلى اضطراب المعاملات فقد وضع حدًا أعلى لا يجوز للبائع أن يتجاوزه، وحدًا أدنى لا يجوز للمشتري أن يدفع أقل منه، ولتطبيق هذه المبادئ وجد فقهاء القانون الكنسي أنفسهم مضطرين إلى تسعير الأشياء.
ولما جاءت الثورة الفرنسية وقامت على حماية الفرد، وإعلان حقوق الإنسان، أطلقت حرية التعاقد، وسلطان الإرادة، ولم تحرم الغبن حتى في بيع العقار، بل لم تضع حدًا أعلى للفائدة، وقد تأثر القانون المدني الفرنسي بما جاءت به الثورة الفرنسية، فجاءت نصوصه غير وافية في هذه المسألة، وتأثر القانون المدني المصري القديم بهذه النظرية إلا في حالات استثنائية خاصة، نص عليها القانون، ثم أخذت القوانين المادية بالتطور، فأخذت بنظرية ما يسمونه بالاستغلال، كالتقنين الألماني، إذ تنص المادة (١٣٨) منه على أنه «يعتبر باطلًا بنوع خاص كل تصرف قانوني، يستغل فيه الشخص حاجة الغير، أو طيشه، أو عدم خبرته؛ ليحصل لنفسه، أو لغيره في نظير شيء يؤديه على منافع مادية تزيد على قيمة هذا الشيء بحيث يتبين من الظروف أن هناك اختلالًا فادحًا في التعادل، بين قيمة تلك المنافع، وقيمة هذا الشيء».=

<<  <  ج: ص:  >  >>