وعلى التنزل أن يكون هذا القول متسقاً مع قول المالكية فإنه لا بد من النظر في دليله، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لو قال: الثلث والثلث كثير في أمور محرمة، لأمكن الأخذ بعموم اللفظ، أما والحديث وارد في باب الوصية، وهو عمل مشروع، فسحب هذا الحكم على كل شيء في أبواب الفقه، في العبادات والمعاوضات، بل حتى في المحرمات، فيجعل ما نقص عن الثلث يسيراً في كل شيء فيه تكلف لا يخفى، وفيه قياس أمور على أخرى دون أن يكون هناك علة جامعة، فلا أعرف مسوغاً شرعياً أن يقاس الربا الذي حرمه الشارع بنصوص قطعية، حتى جعله من الموبقات، وقرنه بالشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، والزنا، أن يقاس مثل هذا على الوصية التي ندب إليها الشارع وأقرها وقدمها على الميراث في توزيع التركات.
فكيف يقاس الخبيث على الطيب، ما لكم كيف تحكمون؟
هذا ما يمكن أن يقال في جعل الثلث فرقاً بين القليل والكثير في باب الاقتراض من الربا.
أما التحديد بـ ٥% من الإيراد المحرم حداً لليسير، فيقال في الجواب عليه:
أولاً: جميع المقادير في الشريعة يحتاج الأمر فيها إلى توقيف، وذلك مثل تقدير خيار التصرية بثلاثة أيام حيث جاء فيه الحديث، وتقدير المسح للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام، فأين التوقيف في تقدير مثل ذلك، خاصة أن ذلك يقلب الحرام إلى حلال، والحضر إلى إباحة.
ثانياً: إن كان المرجع في تقدير مثل ذلك إلى العرف، فإن هذا العمل لم يكن موفقاً؛ لأنه لا يمكن الأخذ بالعرف فيما ورد فيه نص شرعي؛ لأن ذلك يؤدي حتماً إلى تعطيل النص الشرعي.