للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه في صورته الممنوعة، وليس في صورته الجائزة، لأنه لا يلزم من توصيف المعاملة من الناحية الفقهية، أن تكون قد توفرت فيها شروط الإباحة.

وفي هذا المعنى يقول الشيخ مبارك آل سليمان: «لا يصح أن يحكم الباحث على العقد مسبقاً بحل، أو حرمة، ثم يستبعد أي تخريج لا يوصل إلى هذا الحكم المسبق، وإنما الواجب أن يتجرد الباحث للحق، فيجتهد في إعطاء العقد المستجد الوصف الفقهي المناسب من حيث إلحاقه بأحد العقود المعروفة إن أمكن ذلك، ثم يحكم عليه بمقتضى ذلك تخريجاً عليه، بصرف النظر عما ينتج من ذلك من حل أو حرمة» (١).

[التخريج الثاني: تخريج الخصم على أنه قرض بفائدة]

وقد اختار هذا القول جملة من الباحثين، منهم السنهوري، ونزيه حماد، والسالوس، وسامي حمود، وجمال الدين عوض، وحسن الأمين وغيرهم، على خلاف بينهم: هل هو قرض وحوالة، أو قرض وضمان.

يقول الدكتور جمال الدين عوض: «الهدف هو القرض، والأسلوب: هو التظهير، والعمليتان مرتبطتان بحيث لا يمكن الوقوف عند إحداهما وحده» (٢).

ويقول الشيخ مبارك آل سليمان: «الأقرب بالنظر إلى مقاصد المتعاقدين: هو حمل خصم الكمبيالة على القرض .... أما حمله على بيع الدين لغير من هو عليه، فيرد عليه أنه قد لا يوجد دين على المسحوب عليه، وهذا يعني أن هذا الحمل، وإن كان يصدق في فرض، لكنه لا يصدق في فرض آخر، فهو قد يصدق إذا كان المسحوب عليه مديناً لحامل الورقة، أما إذا كان غير مدين له، وهو ما يتصور لو أن المسحوب عليه لم يتلق بعد مقابل وفائها من الساحب، فإن ذلك لا يكون بيعاً؛ لأنه ليس ثمة دين يباع، إلا أنه لا يوجد ما يمنع من حمله على البيع من وجه آخر، وذلك بالنظر إلى مقصود المصرف من عملية الخصم، إذ مقصوده إعطاء نقود، والاعتياض عنها بنقود أكثر منها، وهذا حقيقة البيع، ولهذا قلت من قبل: إن طلب الزيادة على القرض يخرجه من عقود الإرفاق إلى عقود المعاوضة» (٣).

ويقول الدكتور سامي حمود: «فإذا انتقلنا إلى ميدان الفقه الإسلامي، الذي يعتد في نظرته للعقود بالمقاصد والمعاني، فإننا نجد، بأن الهدف في عملية الخصم: هو القرض، يبدو أنه أقرب الآراء للقبول من هذه الناحية، فالمصرف لم يقصد أن يكون مشترياً للحق الثابت في الورقة، ولا أن يكون محالاً به، وإنما قصد الإقراض، فقبل انتقال ملكية الورقة المخصومة إليه، على سبيل الضمان، فإذا حل ميعاد استحقاقها، ولم يدفع أي من الملتزمين قيمتها، فإن المصرف يعود على الخاصم بالقيمة، وهو لا يكلف نفسه، أو لا يرغب أن يكلف نفسه بملاحقة الملتزمين حتى نهاية المطاف، كما هو حاصل عملياً» (٤).

وهذا التوجيه جيد، إلا أنه يعكر عليه، كيف تكون الورقة المالية من قبيل الضمان، وقد انتقلت ملكيتها مباشرة للمصرف بمجرد التظهير؟ فهذا شأن البيع، وليس شأن الضمان، وسيأتي مزيد مناقشة لهذا، إن شاء الله تعالى.


(١) أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة (١/ ٣٥٧).
(٢) عمليات البنوك من الوجهة القانونية (ص: ٤٧٦).
(٣) أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة (١/ ٣٥٥ - ٣٥٦).
(٤) تطوير الأعمال المصرفية، لسامي حمود (ص: ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>