وقد ظهر في هذا العصر من يقول: إن ذلك ليس بشرط، وأنه يجوز أن يكون الربح مقدارًا معلومًا مضمونًا، وكان الحامل على ذلك محاولة إباحة بعض المعاملات المعاصرة كأخذ الفوائد على الودائع الاستثمارية في البنوك الربوية، أو إباحة عوائد السندات الربوية وتخريج كل ذلك على المضاربة الفقهية، وقد اعتمدوا في إباحة ذلك على ثلاثة أمور.
الأمر الأول:
أن اشتراط أن يكون نصيب العامل مشاعًا كالنصف، أو الثلث، ليس عليه دليل من النصوص الشرعية، حيث لم يرد بشأن المضاربة نص من القرآن الكريم، ولا من السنة النبوية، وكل ما ورد بشأنها، إنما هو أقوال نقلت عن بعض الصحابة تدل بمجموعها على أن التعامل بالقراض كان معروفًا عند العرب حتى جاء الإسلام، وإذا كان الأمر كذلك، كانت هذه الشروط الاجتهادية، تختلف باختلاف الأحوال والأزمان، وإذا كان الفقهاء قد اشترطوا أن يكون الربح مشاعًا كالنصف والثلث من أجل ألا يحرم أحد الطرفين من الربح في حال تحدد الجزء الذي يأخذه أحدهما، فإن هذه المشروعات (يعني أخذ الفوائد على الودائع الاستثمارية أو على السندات) مبنية على قواعد اقتصادية مضمونة النتائج، وما يأخذه صاحب المال من الربح بنسبة معينة من رأس المال قدر ضئيل بالنسبة لمجموع الربح الذي تدره المشروعات التي استثمرت فيها هذه الأموال، فكلا الطرفين استفاد، وانتفى الاستغلال والحرمان (١).
وإذا كانت علة المنع من تحديد مقدار الربح، من أجل ألا يؤدي ذلك إلى حرمان الشريك من الربح في حال لم يزد الربح على ذلك القدر، لم يكن هذا
(١) انظر معاملات البنوك وأحكامها الشرعية - لمحمد سيد طنطاوي (ص: ١٨٠ - ١٨١)، المصارف والأعمال المصرفية لغريب الجمال (ص: ١٤٢)، المنفعة والقرض العمراني (ص: ٥١٨).