والمودَع محسن، فالتزام الضمان في المضاربة من باب أولى؛ لأنه قد قبضها لمصلحتهما (المالك والمضارب)؟
أو يقال: يختلف الضمان في الوديعة والعارية عن الضمان في عقد المضاربة، فالعقدان الأولان ليسا من عقود المعاوضة، فلا محذور شرعًا في التزام الضمان، وأما المضاربة فإنها من عقود المعاوضة، والتزامه يجعل الضمان جزءًا من المعاملة، ويحول رأس مال المضاربة إلى ما يشبه القرض، ويتحول الربح إن وجد إلى فائدة للقرض، فلا يصح التخريج.
الذي أميل إليه هو الثاني، وأن الخلاف في ضمان الوديعة والعارية لا يصح أن يعارض به الإجماع الوارد في منع ضمان مال المضاربة بدليل أن الذي قال بجواز ضمان الوديعة والعارية لم يختلف قولهم بتحريم ضمان مال المضاربة، فلو كان الباب واحدًا لوجدت ا لخلاف محفوظًا في المسألتين، فلما اختلفوا في اشتراط ضمان الوديعة والعارية، ولم يختلفوا في المنع من ضمان مال المضاربة دل ذلك على أن مال المضاربة يختلف في الحكم عن مال الوديعة والعارية.
وأما ما ورد عامًا عن بعض المالكية والحنابلة في صحة اشتراط الضمان في الأمانات، فيقال: إن الأمانات ليست معاملة واحدة، منها ما هو على سبيل المعاوضة، والتزام الضمان في العقد يكون مؤثرًا في صحته لوجود محاذير شرعية، ومن الأمانات ما ليس من عقود المعاوضات، والتزام الضمان لا يوقع في محاذير شرعية؛ لأن باب التبرعات أوسع من باب المعاوضات، فلا يؤثر في صحة العقد، فيحمل كلام الأئمة على الثاني دون الأول، والله أعلم، خاصة أن مذاهبهم صريحة في أن التزام الضمان في عقد المضاربة لا يصح، فيكون الحمل هذا متعينًا، والله أعلم.