«يقع الغلط من كثير من المنتسبين إليهم ـ يعني الأئمة ـ في فهم أقوالهم، كما وقع لبعض من نصب نفسه للفتوى من أهل عصرنا.
ما تقول السادة الفقهاء في رجل وقف وقفًا على أهل الذمة، هل يصح ويتقيد الاستحقاق بكونه منهم؟
فأجاب بصحة الوقف، وتقييد الاستحقاق بذلك الوصف، وقال: هكذا قال أصحابنا، ويصح الوقف على أهل الذمة، فأنكر ذلك شيخنا عليه غاية الإنكار، وقال: مقصود الفقهاء بذلك أن كونه من أهل الذمة ليس مانعًا من صحة الوقف عليه بالقرابة أو بالتعيين، وليس مقصودهم أن الكفر بالله ورسوله أو عبادة الصليب، وقولهم إن المسيح ابن الله شرط لاستحقاق الوقف، حتى إن من آمن بالله ورسوله واتبع دين الإسلام لم يحل له أن يتناول بعد ذلك من الوقف، فيكون حل تناوله مشروطًا بتكذيب الله ورسوله، والكفر بدين الإسلام، ففرق بين كون وصف الذمة مانعًا من صحة
الوقف، وبين كونه مقتضيا؛ فغلظ طبع هذا الفتى، وكثف فهمه، وغلظ حجابه عن ذلك ولم يميز.
ونظير هذا أن يقف على الأغنياء، فهذا يصح إذا كان الموقوف عليه غنيا أو ذا قرابة فلا يكون الغنى مانعا، ولا يصح أن يكون جهة الاستحقاق هو الغنى، فيستحق ما دام غنيا، فإذا افتقر واضطر إلى ما يقيم أوده حرم عليه تناول الوقف، فهذا لا يقوله إلا من حرم التوفيق وصحبه الخذلان، ولو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا من الأئمة يفعل ذلك لاشتد إنكاره وغضبه عليه، ولما أقره ألبتة، وكذلك لو رأى رجلًا من أمته قد وقف على من يكون من الرجال عزبًا غير متأهل، فإذا