للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الأمور قد تختلف من بلد إلى آخر، ومن زمن إلى زمن، فربما كان المال القليل في وقت هو كثير بالنسبة إلى وقت آخر، أو بلد آخر، وهذا مشاهد في عصرنا، بحسب دخل الفرد وتكاليف المعيشة، والآثار التي سقناها عن بعض الصحابة إنما هي تقدير للقليل والكثير في عصرهم، ولم يصح منها إلا ما ورد عن عائشة رضي الله عنها.

وقال الخرشي: «اختلف في الكثير، فقيل: ما زاد على نفقة العيال. يحتمل في العمر الغالب، ويحتمل في السنة.

وقيل: ألف درهم. وقيل: ستون دينارًا. وقيل تسعمائة درهم فما فوق» (١).

أرى أن المعيار في القليل والكثير عندي هو ما ذكره ابن قدامة في المغني حيث يقول:

«والذي يقوى عندي، أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة، فلا تستحب الوصية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علل المنع من الوصية بقوله: (إنك تترك ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة).

ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم، كان تركه لهم كعطيتهم إياه، فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم، فعند هذا يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم، وغناهم وحاجتهم، فلا يتقيد بقدر من المال. والله أعلم. وقد قال الشعبي: ما من مال أعظم أجرًا، من مال يتركه الرجل لولده، يغنيهم به عن الناس» (٢).


(١). شرح الخرشي (٨/ ١٦٧).
(٢). المغني (٦/ ١٣٩)، وأثر الشعبي رواه سعيد بن منصور كما في التفسير من سنن سعيد بن منصور (٢٤٩)، أخبرنا عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي. وسنده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>