للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العيني: «للإمام أن يستسلف للمساكين على الصدقات، ولسائر المسلمين على بيت المال، لأنه كالوصي لجميعهم، والوكيل، معلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستسلف ذلك لنفسه؛ لأنه قضاه من إبل الصدقة، ومعلوم أن الصدقة محرمة عليه، لا يحل له أكلها ولا الانتفاع بها» (١).

وقال ابن عبد البر: «معلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأكل الصدقة، وإنما كانت محرمة عليه، لا تحل له، وفي ذلك دليل على أن استسلافه الجمل البكر المذكور في هذا الحديث لم يكن لنفسه؛ لأنه قضاه من إبل الصدقة، وإذا كان ذلك كذلك صح أنه إنما استسلفه الجمل لمساكين بلده لما رأى من شدة حاجتهم، فاستقرضه عليهم، ثم رده من إبل الصدقة، كما يستقرض ولي اليتيم عليه نظرًا له، ثم يرده من ماله إذا طرأ له مال، وهذا كله لا تنازع فيه، والحمد لله» (٢).


(١). عمدة القارئ (١٢/ ١٣٥).
(٢). الاستذكار (٦/ ٥١١)، ويثور إشكال فقهي في توجيه هذا الحديث، كيف قضى النبي من إبل الصدقة أجود من الذي يستحقه الغريم مع، أن الناظر في الصدقات لا يجوز تبرعه منها؟
فقيل: إن المقرض من أهل الصدقة، فيكون فضل الشيء صدقة عليه.
ورجح الباجي والنووي، أن النبي اقترضه لنفسه، فلما جاءت إبل الصدقة، اشترى منها بعيرًا، فملكه النبي، وأوفاه متبرعًا بالزيادة؛ ويدل له ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة، قال: كان لرجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق، فأغلظ له، فهم به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن لصاحب الحق مقالًا، فقال لهم: اشتروا له سنًا، فأعطوه إياه، فقالوا: إنا لا نجد إلا سنًا هو خير من سنه، قال: فاشتروه، فأعطوه إياه، فإن من خيركم، أو خيركم أحسنكم قضاء. انظر شرح النووي على مسلم (١١/ ٣٨)، شرح المنتقى للباجي (٥/ ٩٦).
ويكدر على هذا التوجيه ما جاء في صحيح ابن خزيمة، استلف من رجل بكرًا فقال: إذا جاءت إبل الصدقة قضيناك، فلما جاءت إبل الصدقة أمر أبا رافع أن يقضي الرجل، بكره فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيا فقال أعطه إياه.
وقال سند كما في الذخيرة للقرافي (٥/ ٢٨٦): المراد بالصدقة مال الجزية كانت تسمى صدقة من الله تعالى على هذه الأمة وهي حلال له - صلى الله عليه وسلم -. وهذا أبعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>