فقوله (جائز التصرف) يغني عنه قول ابن قدامة: (تمليك) فإن هذا إشارة اشتراط أن يكون ذلك ممن يصح تبرعه، وهو جائز التصرف.
وقوله:(مالاً معلومًا أو مجهولًا تعذر علمه) قيد المال يدل على أنه لا يصح هبة ما ليس بمال، وفيه نظر.
وقوله:(تعذر علمه) مثل له الشارح بالدقيق يختلط بدقيق لآخر، فوهب أحدهما للآخر ملكه.
وقوله:(موجودًا) هذا القيد أخرج هبة المعدوم، فإنها لا تصح عندهم، وفيها خلاف سيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.
وقوله:(مقدورًا على تسليمه) فلا تصح هبة المال الضال، وهذا فيه نزاع أيضًا؛ لأن الهبة من عقود التبرع، والغرر في مثله لا يجعل الموهوب له إما غانمًا أو غارمًا، بل هو إما غانم أو سالم، وهذا لا حرج فيه، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحرير الخلاف فيها أثناء البحث.
وأرى أن التعريف السليم أن يقال: الهبة تمليك الأعيان في الحياة بلا عوض.
وقولنا:(الأعيان) أخرج العارية، ودخل في هذا القيد كل ما يصح تملكه مالًا كان أو غير مال مما فيه منفعة مباحة، كالسرجين النجس، والتبرع بالدم، وضراب الفحل، ونحو ذلك، وقولنا (في الحياة) أخرج الوصية، والتعبير بها أفضل من قولنا حالًا؛ ليشمل الهبة المعلقة والمضافة؛ فإنها هبة صحيحة.
وقولنا:(بلا عوض) أخرج هبة الثواب، فإنها وإن كانت بلفظ الهبة إلا أنها تأخذ حكم البيع، والله أعلم.