للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عبد البر في التمهيد: «والاستيفاء عنده - يعني مالكًا - وعند أصحابه لا يكون إلا بالكيل أو الوزن، وذلك عندهم فيما يحتاج إلى الكيل أو الوزن مما بيع على ذلك، قالوا: وهو المعروف من كلام العرب في معنى الاستيفاء، بدليل قوله عز وجل: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: ٢]

وقوله {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف: ٨٨].

{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ} [الإسراء: ٣٥]» اهـ (١).

وأما لفظ (كانوا يشترون الطعام جزافًا) فالنهي عن بيع ما اشتروه من الركبان جزافًا حتى يبلغ به سوق الطعام ليست العلة لكونه اشتري جزافًا وإنما لكونهم تلقوا الركبان، فإذا فعلوا، كان النهي عن بيع الطعام حتى يبلغ به سوق الطعام من أجل التلقي، لا من أجل اشتراط القبض، فالحديث جعل غاية النهي أن ينقل الطعام حيث يباع الطعام، وحتى يبلغ به سوق الطعام، وهو أخص من اشتراط القبض، ولذا نقول: إن ما بيع من الطعام جزافًا لا يحتاج إلى كيله، فإن اشتري من أهل السوق كان لمشتريه حق التصرف فيه قبل قبضه، وإن اشتراه من الركبان قبل دخول السوق، كان ممنوعًا من بيعه حتى يبلغ به سوق الطعام، هذا هو ما دلت عليه مجموع النصوص، وبذلك نكون قد جمعنا بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، والله أعلم.

جاء في المنتقى للباجي: «وفي كتاب أبي القاسم الجوهري بإثر هذا الحديث، إنما هو في تلقي الركبان، وهذا أيضًا يحتمل، فيكون معناه: أن من اشتراه في موضع غير سوق ذلك الطعام، فلا يبعه ممن يلقاه قبل أن يبلغ به السوق ... » (٢).


(١) التمهيد (١٣/ ٣٣٦).
(٢) المنتقى للباجي (٤/ ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>