للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله: (فإن جاء صاحبها يومًا من الدهر فأدها إليه) فلعله من الرواية بالمعنى، حيث لم يقل أحد ممن روى حديث زيد بن خالد لفظة (يومًا من الدهر) إلا يحيى بن سعيد، تفرد بذلك عنه سليمان بن بلال على اختلاف عليه فيه، والذي يرجح ذلك أن الحديث لا يحتمل تعدد القصة، فإذا كانت القصة واحدة، وانفرد راو عن بقية الثقات بلفظة كان الحكم للأحفظ والأكثر عدداً، ويحيى بن سعيد تارة يرسله، وتارة يوصله، كل هذا يجعل رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد مما انفرد فيه يوجب التوقف فيه، والله أعلم.

وفي المتواري على أبواب البخاري «في بعض طرقه أنها وديعة من رواية سليمان بن بلال لكن شك يحيى بن سعيد عن يزيد: هل الزيادة من الراوي، أو من النبي - عليه السلام -؟ فأسقطها البخاري من الترجمة لفظًا، وضمنها معنى في صيغة التعليل بقوله: (لأنها وديعة) إذ ردها إلى صاحبها أو عرفها له إن استنفقها يدل على بقاء ملكه، خلافا لمن أباحها بعد الحول، بلا ضمان» (١).

الوجه الثاني:

أن هناك فرقًا بين الوديعة واللقطة، فالوديعة عقد يقوم على الحفظ فقط، وليس للمودع حق التصرف في عينها، وليست مضمونة إلا بالتعدي أو التفريط، وإذا تصرف فيها كانت دينًا في ذمته، والوديعة تتعلق بالأعيان وليست بالديون، بينما اللقطة ليست عقدًا، ويملك الملتقط العين بعد التعريف، ويتصرف فيها كما يتصرف في أمواله، وتصرفه فيها بإذن الشرع، وإذن الشرع في التصرف فيها لا يمنع من ضمانها متى ما ظهر مالكها؛ وإذا استهلكها صارت دينًا في ذمته،


(١) المتواري على أبواب البخاري (ص: ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>