المسألة، قال:«ولغموض مأخذ هذه المسائل كثر تنازع الفقهاء فيها» فإذا كانت غامضة بحق الفقهاء المتقدمين، مع رسوخهم في العلم، فما بالك بطالب العلم في هذا العصر، والذي بضاعته مزجاة، وهمته في فتور، وينازعه كثرة الصوارف، وقلة التفرغ، مع ضعف التوجه والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.
وإذا كان لا بد من الترجيح فلن يكون إلا مجرد ميل قلبي لهذا القول أو ذاك، وسيكون الترجيح بين مذهب الشافعية ومذهب الحنابلة فهما أقوى قولين في المسألة، ومما يعين على معرفة القول الراجح تلمس العلة من النهي عن بيع الطعام قبل قبضه.
فهل العلة في النهي عن بيع ما لم يقبض هو كون العقد الأول لم يتم، حيث بقي من أحكامه التسليم، فلا يرد عليه عقد آخر قبل انبرامه، فالمشتري عاجز عن تسليم المبيع إلى المشتري الجديد، لأن البائع قد يسلمه إياه، وقد لا يسلمه إياه، لاسيما إذا رأى البائع أن المشتري قد ربح فيه، فيسعى في رد البيع إما بجحد أو باحتيال في الفسخ، وعلى هذا تجوز التولية في المبيع قبل قبضه، وهو مخرج من جواز بيع الدين، ويجوز التصرف فيه بغير البيع،، ويجوز بيعه لبائعه والشركة فيه، وإذا تعين ملك إنسان في موروث، أو وصية، أو غنيمة لم يعتبر لصحة تصرفه قبضه بلا خلاف.
أو نقول: إن التصرف تبع للضمان، فما كان من ضمانه كان له أن يتصرف فيه، وأن يربح فيه، ولو لم يقبضه، وما كان من ضمان البائع، فلا يجوز له التصرف فيه حتى يقبضه، وحتى لا يتوالى ضمانان، وبالتالي نخص النهي عن بيع ما لم يقبض بالشيء الذي يحتاج فيه إلى استيفاء، وأما الشيء الذي لا يحتاج إلى استيفاء فلا مانع من بيعه قبل قبضه كما لو اشترى صبرة من الطعام.
أو نقول: إن العلة هي خوف فوات المبيع، فما كان منقولًا عرضة للهلاك،