للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الغرر، والتاجر اليوم يختلف كثيرًا عن التاجر بالأمس، وقد أصبح الكون كالقرية الواحدة بفضل سهولة الاتصال، وتشابك المصالح، والمنتج الذي ينزل لأول مرة في أمريكا أو في أوربا يعرض بنفس اليوم في دبي وفي عواصم العالم المختلفة، والمخاطر التي تحيط بالتاجر اليوم لا تقارن بالمخاطر التي تحيط به بالأمس، وإذا علمنا أن الشخص قد يعرض تجارته للإفلاس، وينتهي به الحال إلى دخول السجن، خاصة مع كثرة الحوادث. والسجن لا يعطل المسجون وحده، بل تتضرر أسرته، ممن يقوم على إعالتها، والنفقة عليها.

وما تنفقه الدولة على سجناء الحوادث، وما تسخره من إمكانيات للقيام على السجناء ربما يفوق بكثير الخسائر التي تدفعها شركات التأمين للمستأمنين، وقد لا يحمي التأمين التاجر فحسب، بل يحمي أسواق المسلمين من الكوارث، ويضمن الاستقرار لها.

ولذلك لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين: لا يختلى شوكها، ولا يعضد شجرها - يعني: شجر الحرم، قال رجل من قريش: إلا الإذخر، فإنما نجعله لبيوتنا، وقبورنا. فقال - صلى الله عليه وسلم -: إلا الإذخر (١).

فدل على أن الشريعة قد اعتبرت حاجة الناس في الترخيص لهم، وإن كان في ذلك ما يدعو إلى التحريم إذا كانت حاجة الناس عامة.

ويظهر ذلك جليًا في عقد الجعالة، فإن عقد الجعالة فيه غرر واضح، فإن قول القائل: من رد علي بعيري الشارد فله كذا، فالباحث عنه، قد يجده، وقد لا يجده، وهو غرر في وجوده، وهو أشد أنواع الغرر. وقد يعمل قليلًا لمدة قصيرة ويستحق الجعل، وقد يعمل كثيرًا، ولمدة طويلة، ومع ذلك لا يجده، ولا


(١) صحيح البخاري (١١٢)، ومسلم (١٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>