يستحق الجعل، وهذا غرر في أجله، وهو غرر مؤثر في بطلان العقد. وقد يقول القائل: من وجد سيارتي المسروقة فله عشر قيمتها، فهذا جائز، ولو لم يعلم الطرفان قيمة السيارة، فالغرر في الجعالة غرر في حصول الشيء، وغرر في مقدار العمل، وغرر في أجله، ولم يمنع هذا الغرر جواز هذه المعاملة، لما كانت الحاجة قائمة إلى عقد الجعالة، وهي من عقود المعاوضات، وليست من عقود التبرعات.
والذي ينبغي للفقيه أن يقف على مقدار حاجة السوق إلى التأمين، فإن غالب الفقهاء إن لم يكن كلهم، لا يمارسون التجارة بمفهومها الواسع من إيراد، أو تصدير، فاليوم لا يمكنك أن تصدر أو تستورد شيئًا، إلا عن طريق التأمين، والتاجر اليوم يغامر مغامرة كبيرة، وهو يحمل بضاعته من شتى أصقاع الأرض، ليأتي بها إلى سوق بلاده، فحاجة السوق إلى هذه المعاملة، ومقدار الضرر بمنعها، إنما يقدره التجار المسلمون، وليس الفقهاء المنشغلون بمسائل العلم عن الاطلاع على حاجة السوق، وربما كنت في يوم من الأيام وأنا أقرأ عبارة لابن القيم لم ترق لي، وعندما بحثت في التأمين اشتدت حاجتي إليها للاستدلال بأن الفقيه بحاجة إلى تقدير التاجر، فهو أعلم منه بما يحتاجه السوق، وما يتضرر منه التجار المسلمون لو منعوا من هذه المعاملة.
يقول ابن القيم: «قول القائل: إن هذا غرر ومجهول، فهذا ليس حظ الفقيه، ولا هو من شأنه، وإنما هذا من شأن أهل الخبرة بذلك، فإن عدوه قمارًا، أو غررًا، فهم أعلم بذلك، وإنما حظ الفقيه يحل كذا؛ لأن الله أباحه، ويحرم كذا؛ لأن الله حرمه، وقال الله وقال رسوله، وقال الصحابة، وأما أن هذا يرى خطرًا، وقمارًا، وغررًا، فليس من شأنه، بل أربابه أخبر بهذا منه، والمرجع إليهم فيه، كما يرجع إليهم في كون هذا الوصف عيبًا، أم لا، وكون هذا البيع