المتأثرة تأثرًا كاملًا بالقوانين الغربية فإنه إما أن تكون مرجعيته في بحثه مستمدة من الفقه الإسلامي، والذي لن يجد هذا الأمر محسومًا خاصة من خلال الفقه الإسلامي القديم. وإما أن تكون المرجعية في ذلك إلى القوانين العربية المستمدة من القوانين الغربية، وهذه القوانين نشأت في بيئة النظام الرأسمالي، وإطلاق سلطان الإرادة، والحرية الفردية.
فإذا حاول الفقيه تخريج هذا الحق على أحد الحقوق المقررة في الشريعة الإسلامية فإن اجتهاده سيكون من قبيل النازلة الفقهية؛ لأن هذا الحق لم يكن معترفًا به في العصور الإسلامية السابقة، وسيكون على الفقيه أن يقدم الحجة المقنعة في عدم اعتبار هذه الحقوق حقوقًا مالية مع قيام السبب طيلة هذه القرون من عصر الدولة الإسلامية. ولن تكون هذه الحقوق الفكرية مهما قيل عنها بمنزلة الحقوق التي جاء النص الشرعي باعتبارها وذلك كحق الشفعة، وحق الخيار، وحق الطلاق، وحق القصاص، وحق الحضانة والولاية، وحقوق العاقدين وغيرها من الحقوق المالية وغير المالية المنصوص عليها.
فإذا رجع الفقيه المسلم إلى تراثه في تعريف المال ليرى هل هذه الحقوق تدخل في مسمى المال؟ وبالتالي يصح أن تكون هذه الحقوق محلًا للمعاوضة؛ لأن ما ليس بمال لا يجوز بذل المال لتحصيله والمعاوضة عليه، وجدنا هناك خلافًا بين مذهب الحنفية وبين مذهب جمهور الفقهاء في بيان حقيقة المال.
فمذهب الحنفية يرى أن المال لا يقع إلا على شيء مادي يمكن حيازته وادخاره، وهذا الشرط عندهم أخرج منافع الأعيان؛ لأنها أعراض لا يمكن حيازتها وادخارها فالسيارة مال؛ لأنها شيء مادي محسوس يمكن حيازته وادخاره، بينما ركوب السيارة ليس مالًا عند الحنفية؛ لأنه لا يمكن حيازته وادخاره، وقس على ذلك سكنى الدار ونحوها.