وكون الدولة تدفع نسبة من قسط التأمين لا يعني أنها متبرعة بها؛ لأن هذا المبلغ إنما دفع بشرط أن يكون موظفًا لديها، فهو جزء من التزامات العقد بين الموظف وبين الدولة، فهو داخل في المعاوضة، بدليل أن أصحاب المؤسسات الخاصة ملزمون بدفع نفس النسبة عن عمالهم، ويعاقبون إذا تخلفوا عن دفع تلك النسبة، فلو لم يكن ذلك جزءًا من التزام العقد لم يلزموا، ولم يغرموا إذا تأخروا.
ولو صح أن يقال: إن ما تدفعه الدولة من قبيل التبرع، لكانت القروض الربوية، يمكن أن يقال عنها: إن ما زاد عن قيمة القرض فإن المقترض متبرع به للمقرض.
ولو سلمنا أن ما تدفعه الدولة يعتبر من قبيل التبرع المحض، فهذا لا ينطبق على ما يدفعه الموظف، فإن ما يدفعه الموظف هو من قبيل المعاوضة، لأن ما يدفعه الموظف سوف يأخذ مقابلًا لما يدفعه، ووجود طرف ثالث متبرع لا يجعل المعاملة كلها من قبيل التبرع الجائز.
إنني أضع هذه التساؤلات أمام نظر مشايخنا، وفقهائنا للنظر فيها وإبداء الرأي، والنقد لما جاء فيها قيامًا بواجب العلم وأداء للأمانة، ولا أعتقد أن الدولة ملومة وقد أفتاها كثير من أهل العلم والفضل بجواز ذلك، ولكن المسئولية تقع على أهل العلم وذلك بتقديم بديل شرعي صحيح للوضع القائم لذلك كان هذا القول مني تسجيلًا لرأيي في المسألة حتى لا يقال: إن المسألة فيها إجماع على القول بالجواز، وأظن ولاة الأمر حريصين على البديل الشرعي