فهناك نظريتان متقابلتان في هذا: فالنظرية الفرنسية ترى أن الإرادة المنفردة لا تولد التزامًا، فليس من المفيد في جميع الأحوال أن نعتبر شخصًا قد التزم بإيجاب لم يقبله أحد. وقد تلقف القانون المصري هذه النظرية عن القانون الفرنسي. بينما ذهبت النظرية الألمانية إلى أنه لا مانع من كون الإرادة المنفردة تنشئ التزامًا، لأن الالتزام يترتب على المال أكثر مما يكون له صلة فيما بين شخص وآخر. والفرق بين النظريتين في تحديد مصدر الالتزام: فإن قلنا: إن مصدر الالتزام هو العقد، فلن يوجد الالتزام إلا من وقت صدور القبول. وإن قلنا: إن مصدر الالتزام هو إعلان الإرادة المنفردة (الإيجاب) فإن الالتزام يوجد من وقت إعلان إرادة المدين دون حاجة إلى صدور إرادة مقابلة من الدائن، فالخلاف بينهما إنما هو في وقت نشوء الالتزام، فإذا أخذنا بالإرادة المنفردة: قلنا: الالتزام ينشأ من وقت صدور الإرادة المنفردة، وإذا لم نأخذ بهذه النظرية، ورددنا الأمر إلى فكرة العقد، قلنا: إن الالتزام لا ينشأ إلا من وقت تطابق إرادة الدائن مع إرادة المدين. والله أعلم. =