وجاء في القواعد لابن رجب:«تعتبر الأسباب في عقود التمليكات، كما تعتبر في الأيمان، ويتخرج على هذا مسائل متعددة .... » ذكر منها:
هبة المرأة زوجها صداقها إذا سألها ذلك، فإن سببها طلب استدامة النكاح، فإن طلقها فلها الرجوع فيها، نص عليه أحمد في رواية عبد الله ....
ومنها ما نص عليه أحمد في رواية ابن ماهان فيمن اشترى لحمًا، ثم استزاد البائع فزاده، ثم رد اللحم بعيب، فالزيادة لصاحب اللحم؛ لأنها أخذت بسبب اللحم، فجعلها تابعة للعقد في الرد؛ لأنها مأخوذة بسببه، وإن كانت غير لاحقة به» (١).
فأنت ترى أن المرأة أجاز لها الإمام أحمد الرجوع بالهبة مع أن الرجوع بالهبة بعد القبض من كبائر الذنوب إعمالًا للسبب.
ومنه ما يحصل في عصرنا، فيقول البائع: اشتر واحدًا، وخذ واحدًا مجانًا. فالهبة هنا ليست هبة محضة، ويستطيع المشتري أن يرد الموهوب بالعيب، ويأخذ بدلًا منه، وإذا فسخ البيع رد العين الموهوبة، ولا يصح له أن يقول: هذا كان هبة وقد لزمت بالقبض، وهذا يدل على أن الهبة أخذت أحكام البيع، ولم يطبق عليها أحكام الهبة المحضة؛ لأن الهبة هنا ارتبطت بسبب، وهو الشراء، فأخذت حكمه، وكان قصد البائع هو تخفيض المبيع إلا أنه أراد أن يحافظ على ثمن المبيع بلا تخفيض فلجأ إلى التخفيض عن طريق زيادة المبيع، أو أنه أراد أن يسوق قطعتين بدلًا أن يكون التخفيض في قطعة واحدة، فيضمن نفاق البضاعة؛ لأن التخفيض لو كان للقطعة الواحدة فربما لا يأخذ المشتري إلا قطعة واحدة، فيبقى عنده قدر من المبيع.