كان الجمع قد استند إلى ألفاظ أخرى للأحاديث التي توهم أنها لا تحرم إلا ربا النسيئة، والجمع شأن الراسخين في العلم، ولأن ترجيح حديث لا ربا إلا في النسيئة ورد الأحاديث الكثيرة المتكاثرة الثابتة في الصحيحين وفي غيرها يؤدي إلى إبطال قسم من السنة بلا مرجح، بخلاف الجمع، فإنه إعمال لكل الأدلة، فضلًا عن أن القول في ربا الفضل هو قول السواد الأعظم من الأمة، من لدن الصحابة إلى يومنا هذا.
قال ابن عبد البر: «حديثه - يعني ابن عباس - عن أسامة صحيح، ولكنه وضعه غير موضعه، وحمله على غير المعنى الذي له أتى، ومعنى الحديث عند العلماء أنه خرج على جواب سائل سأل عن الذهب بالورق، أو البر بالتمر، أو نحو ذلك مما هو جنسان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا ربا إلا في النسيئة)،فسمع أسامة كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع سؤال السائل، فنقل ما سمع والله أعلم،
والدليل على صحة هذا التأويل: إجماع الناس ما عدا ابن عباس عليه وما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما)، وقوله عليه السلام:(لا تبيعوا الذهب بالذهب، والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل، يدًا بيد، ولا تبيعوا بعضها على بعض)(١).
ومن الناحية العلمية أرى لو اكتفي بهذا الوجه للجواب عن حديث البراء وزيد بن أرقم؛ لأنه مبني على رد الروايات المجملة إلى الروايات المبينة المفسرة، وأما محاولة الترجيح فإني أذكرها على سبيل الرصد العلمي لما قيل في المسألة وإن كنت لست على قناعة منها، لأن الترجيح سوف يلغي بعض الأدلة على حساب بعض، والله أعلم.