نفس الوقت، فكان من الصعب على الأثرياء أن يخزنوا كميات كبيرة من هذه القطع في بيوتهم، فبدأ الناس في أوربا في القرن السابع عشر يودعون هذه الكميات الكبيرة عند بعض الصاغة على أساس أن هؤلاء الصياغ يملكون خزائن بعيدة عن السرقة والضياع في نظير أن يعطيهم هؤلاء الصاغة شهادة، أو إيصالًا بما أودعوه بدقة، ويتعهدوا برد هذه المعادن عند الطلب.
ولما ازدادت ثقة الناس بهؤلاء الصاغة صارت هذه الإيصالات تستعمل في دفع الثمن عند البيعات، فكان المشتري بدل أن يدفع القيمة نقدًا يسلم إلى البائع سندًا من هذه الإيصالات بعد تظهيره للغير وكان البائع يقبلها ثقة بالصاغة الذين أصدروها.
ثم تطور الأمر وأصبحت هذه الإيصالات متشابهة بحيث انتفى تدوين اسم مودع السبائك عليها، فأصبحت تتداول بدون تظهير، بل بمجرد التسليم مع بقاء تعهد الصاغة بالوفاء بها عند الطلب بسبائك ذهبية.
هذه هي بداية الأوراق النقدية، فهي في بداية أمرها لم تكن لها صورة رسمية، ولا سلطة تلزم بقبولها، وإنما كان المرجع في قبولها وردها إلى ثقة البائع أو الدائن بمن أصدرها.
وحين كثر تداول الإيصالات في السوق في مطلع القرن السابع عشر الميلادي تطورت هذه الأوراق إلى صورة رسمية تسمى (البنكنوت) ويقال: إن بنك استاك هوم بالسويد أول من أصدرها كأوراق نقدية. وكانت هذه الأوراق النقدية آنذاك مغطاة بغطاء كامل عند البنك الذي أصدرها، ومدعومة بالذهب بنسبة مئة في مئة، وكان البنك يلتزم ألا يصدر هذه الأوراق إلا بقدر ما عنده من الذهب، وكان لكل من يحمل هذه الأوراق أن يذهب بها متى شاء إلى البنك، ويحول ما شاء منها إلى سبائك الذهب.