وفي مرحلة ثالثة تبين لأصحاب الصاغة أن الإيصالات التي أصدروها لم تكن في غالب الأحيان ترجع إليهم ليصرفوا قيمتها بالمعادن، وإنما جزء يسير من حملة هذه الأوراق يقوم بذلك، وهذا ما دفع أصحاب الصاغة رغبة في الربح أن يصدروا من الأوراق ما يجاوز قيمة العملة المعدنية المحتفظ بها لديهم كغطاء.
وحينئذ اضطرت السلطات العامة للتدخل، وتكليف مؤسسات ذات طبيعة خاصة (مؤسسات الإصدار أو المصارف المركزية) باحتكار إصدار هذه النقود، وإحكام رقابتها.
وقد تبين للسلطات في ذلك الوقت أنه من الصعوبة المحافظة على مثل هذه التغطية الذهبية الكاملة للنقود الورقية في المدى الطويل، فاحتياجات النمو الاقتصادي وتمويل المشاريع في السلم والحرب تتطلب زيادة مستمرة وملموسة في كمية النقود المتداولة، بينما الرصيد الذهبي ينمو بمعدلات ضئيلة بفعل القيود الطبيعية، فلجأت إلى طبع كميات كبيرة من النقود الورقية تزيد عن كمية الذهب الموجودة عندهم لتستعملها في سد حاجاتها، فصار غطاء الأوراق النقدية يتناقص شيئًا فشيئًا، وهبطت نسبة دعمها بالذهب الحقيقي عن المئة بالمئة إلى نسبة أدنى بكثير، وذلك لأن البنوك التي تصدر الأوراق النقدية كانت تستيقن بأن جميع هذه الأوراق لا يطلب تحويلها إلى الذهب في وقت واحد، وقد قبلها الناس رغم أن هذه الأوراق لم تكن مدعومة بالكامل بالذهب نتيجة ثقتهم بأن مصدرها يقدر على تحويلها إلى الذهب كلما طلب منه ذلك، بفضل الذهب الموجود عنده، وإن كانت كمية الذهب أقل من كمية الأوراق الصادرة من عنده، وإن هذه الأوراق النقدية كانت تسمى نقود الثقة.
بدأت نقود الثقة تتزايد إلى حد أن الأوراق بلغت أضعاف مقدار الذهب الموجود في البلاد، مما حمل إنكلترا إلى تعطيل تحويل هذه الأوراق إلى