للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشترون بأقل ليبيعوا بأكثر، ولا فرق عندي بين تاجر يشتري السلعة لشخص غير معين فيكون ذلك حلالًا بلا خلاف، وبين تاجر يشتري السلعة لشخص أو أشخاص معينين، المهم ألا تكون المبادلة بين دراهم ودراهم، ولو كان البيع حرامًا إذا اشتراها لشخص بعينه باعتبار أن السلعة ملغاة، فكأنه باع دراهم بدراهم مع التفاضل والنسأ، لقلنا: لا يجوز البيع ولو كان بمثل الثمن الذي اشتراها به إذا كان البيع نسيئة، لأننا إذا ألغينا السلعة واعتبرنا البيع دراهم بدرهم حرم النسأ ولو لم يكن هناك تفاضل، وشيخنا قد نص على جواز هذه الصورة مما يضعف حجة هذا القول، والله أعلم.

الطريقة الثانية: أن يكون الوعد ملزمًا للمتواعدين، والإلزام بالوعد تارة يكون بلزوم البيع، وتارة يكون بتحمل الخسارة التي لحقت بالبنك بسبب نكول الآمر بالشراء عندما يبيع البنك سلعته على عميل آخر ويتعرض لخسارة حقيقية.

فهذا البيع بهذه الصورة منعه الفقهاء المتقدمون كالحنفية (١)، والمالكية (٢)،


(١) الحيل لمحمد بن الحسن الشيباني (ص:٧٩، ١٢٧) رواية السرخسي، المبسوط (٣٠/ ٢٣٧).
(٢) المالكية هم أكثر المذاهب تعرضًا لهذه المسألة وفروعها، ولم يختلف المذهب المالكي في تحريم هذه المعاملة، وإنما الخلاف بينهم في صحة البيع إذا وقع، أو إذا فاتت السلعة، وإليك الإشارة إلى بعض ما جاء عنهم:
قال القرافي في الذخيرة (٥/ ١٧) في معرض ذكر صور هذه المسألة، قال:

«الرابع: اشتر لنفسك نقدًا، وأشتريها منك باثني عشر إلى أجل، فهو حرام، فعن مالك يلزم الآمر الشراء باثني عشر إلى الأجل؛ لأن المشتري كان ضامنًا لها، ولو أراد الآمر تركها كان له ذلك، واستحب أن لا يأخذ المأمور إلا ما نقد.
وقال ابن حبيب: يفسخ البيع الثاني إن كانت السلعة قائمة، ويرد المأمور، فإن فاتت ردت إلى قيمتها معجلة يوم يقبضها الآمر، كالبيع الفاسد؛ لأن المواطأة قبل الشراء بيعُ ما ليس عندك المنهي عنه». اهـ
انظر هذا النص في التاج والإكليل (٤/ ٤٠٥)، مواهب الجليل (٤/ ٤٠٦)، الاستذكار (١٩/ ٢٥٥)، الخرشي (٥/ ١٠٧)، الكافي في فقه المدينة (ص: ٣٢٥ - ٣٢٦).
وقول ابن حبيب أقيس؛ لأنه مطرد في البيع الفاسد على أصول مذهب مالك، وأما القول الأول فهو وإن كان رواية ابن القاسم عن مالك، إلا أن فيه إشكالًا على أصول مالك، وهو أن البيع إذا كان حرامًا، فلا يقال بلزومه مع قيام السلعة.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات (٢/ ٥٨): «وأما الخامسة: وهي أن يقول: اشتر لي - الصواب حذف كلمة لي- سلعة كذا بعشرة نقدًا، وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل، فهو أيضًا لا يجوز، إلا أنه يختلف فيه إذا وقع:
فروى سحنون عن ابن القاسم، وحكاه عن مالك: أن الآمر يلزمه الشراء باثني عشر إلى أجل؛ لأن المشتري كان ضامنًا لها لو تلفت في يديه، قبل أن يشتريها منه الآمر، ولو أراد ألا يأخذها بعد اشتراء المأمور كان ذلك له ... » ثم ذكر بقية النص كما في الذخيرة والتاج والإكليل.
والأمر المتفق عليه بينهم، أن البيع بهذه الصورة حرام، والخلاف إنما في لزومه إذا وقع.

<<  <  ج: ص:  >  >>