والصحابة، والتابعون، وسائر أئمة المسلمين كانوا يحتجون على فساد العقود بمجرد النهي كما احتجوا على فساد نكاح ذوات المحارم بالنهي المذكور في القرآن واستدلوا على فساد نكاح المطلقة ثلاثا بقوله:{فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: ٢٣٠]، وكذلك استدل الصحابة على فساد نكاح الشغار بالنهي عنه وكذلك عقود الربا، وغيرها. فعلموا أن ما نهى الله عنه فهو من الفساد، وليس من الصلاح؛ فإن الله لا يحب الفساد فلا ينهى عما يحبه، وإنما ينهى عما لا يحبه فعلموا أن المنهي عنه فاسد، ليس بصالح وإن كانت فيه مصلحة، فمصلحته مرجوحة بمفسدته. وقد علموا أن مقصود الشرع رفع الفساد، ومنعه، لا إيقاعه، والإلزام به فلو ألزموا بموجب العقود المحرمة لكانوا مفسدين، غير مصلحين، والله لا يصلح عمل المفسدين كل من عمل بمعصية الله فهو مفسد، والمحرمات معصية لله، فالشارع ينهى عنها ليمنع الفساد ويدفعه. ولا يوجد قط في شيء من صور النهي صورة ثبتت فيها الصحة بنص، ولا إجماع فالطلاق المحرم والصلاة في الدار المغصوبة، فيها نزاع وليس على الصحة نص يجب اتباعه فلم يبق مع المحتج بهما حجة.
لكن من البيوع ما نهي عنها لما فيها من ظلم أحدهما للآخر: كبيع المصراة والمعيب وتلقي السلع والنجش ونحو ذلك ولكن هذه البيوع لم يجعلها الشارع لازمة كالبيوع الحلال بل جعلها غير لازمة، والخيرة فيها إلى المظلوم، إن شاء أبطلها، وإن شاء أجازها؛ فإن الحق في ذلك له والشارع لم ينه عنها لحق مختص بالله، كما نهى عن الفواحش بل هذه إذا علم المظلوم بالحال في ابتداء العقد، مثل أن يعلم بالعيب، والتدليس، والتصرية ويعلم السعر إذا كان قادمًا بالسلعة، ويرضى بأن يغبنه المتلقي جاز ذلك فكذلك إذا علم بعد العقد، إن رضي أجاز وإن لم يرض كان له الفسخ