وهذا يدل على أن العقد يقع غير لازم، بل موقوفًا على الإجازة إن شاء أجازه صاحب الحق، وإن شاء رده، ولا يقال: إن صحة هذه العقود بعد إجازة من له الحق دليل على أن النهي لا يقتضي الفساد، بل يقتضي الفساد إن أراد صاحب الحق ذلك، وإن تنازل عن حقه فله ذلك.
وكذلك الصلاة في الدار المغصوبة والذبح بآلة مغصوبة وطبخ الطعام بحطب مغصوب وتسخين الماء بحطب مغصوب كل هذا إنما حرم لما فيه من ظلم الإنسان، وذلك يزول بإعطاء المظلوم حقه، فإذا أعطاه بدل ما أخذه من منفعة ماله، أو من أعيان ماله، فأعطاه كراء الدار، وثمن الحطب، وتاب هو إلى الله من فعل ما نهاه عنه، فقد برئ من حق الله وحق العبد، وصارت صلاته كالصلاة في مكان مباح والطعام بوقود مباح والذبح بسكين مباحة، وإن لم يفعل ذلك كان لصاحب السكين أجرة ذبحه، ولا تحرم الشاة كلها وكان لصاحب الدار أجرة داره، لا تحبط صلاته كلها لأجل هذه الشبهة وهكذا إذا أكل الطعام، ولم يوفه ثمنه، كان بمنزلة من أخذ طعامًا لغيره فيه شركة، ليس فعله حرامًا ولا هو حلالًا محضًا، فإن نضج الطعام فلصاحب الوقود فيه شركة وكذلك الصلاة يبقى عليه اسم الظلم، ينقص من صلاته بقدره، فلا تبرأ ذمته كبراءة من صلى صلاة تامة، ولا يعاقب كعقوبة من لم يصل، بل يعاقب على قدر ذنبه وكذلك آكل الطعام، يعاقب على قدر ذنبه، والله تعالى يقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:٧، ٨] ولا يؤخذ من ذلك مطلقًا بأن النهي لا يقتضي الفساد (١).