للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى الإجماع ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (١).

وفي حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: «(قوله: لأن الدين مقدم على الوصية) أي بالإجماع وإن كانت الوصية مقدمة عليه في الذكر ... اهـ. أتقاني» (٢).

والمعنى أن الدين قبل الوصية؛ لأن الوصية إنما هى تطوع يتطوع بها الموصي وأداء الدين فرض عليه، فعلم أن الفرض أولى من التطوع.

وهذا ما جعل الفقهاء يقولون بصحة الوصية من المحجور عليه، بخلاف الهبة والوقف ونحوهما؛ لأن الهبة فيها إضرار بالغرماء والوصية، ليس فيها إضرار؛ لأنها لن تنفذ إلا بعد سداد الدين أو إجازة الغرماء، أو إبراء الموصي من دينه كله أو بعضه.


(١). شرح صحيح البخاري لابن بطال (٨/ ١٦٠)، وقال فيه: «وليس يوجب تبدية اللفظ بالوصية قبل الدين أن تكون مبداة على الدين، وإنما يوجب الكلام أن يكون الدين والوصية تخرجان قبل قسم الميراث؛ لأنه لما قيل من بعد كذا وكذا علم أنه من بعد هذين الصنفين قال الله: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤]، أى لا تطع أحدًا من هذين الصنفين، وقد يقول الرجل: مررت بفلان وفلان فيجوز أن يكون الذى بدأ بتسميته مر به أخيرًا، ويجوز أن يكون مر به أولا؛ لأنه ليس فى اللفظ ما يوجب تبدئة الذى سمى أولًا. قال تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣]، ففهم إنما أمرت بذلك كله، ولم يجب أن يكون السجود قبل الركوع، ولو قال: مررت بفلان ففلان أو مررت بفلان ثم فلان لوجب أن يكون الذى بدأ بتسميته هو الذى مر به أولا، فلما قال تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:١١]. وجب أن تكون قسمة المواريث التى فرض الله بعد الدين والوصية ولم يكن فى القرآن تبدئة أحدهما على الآخر باللفظ المنصوص، ولكن فهم بالسنة التى مضت».
(٢). حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (٦/ ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>