أن المراد بالآية لازم العقود، حتى البيع قبل لزومه لا يجب الوفاء به كما لو كان فيه خيار شرط ونحوه، فكذلك عقد الهبة لا يجب الوفاء به قبل لزومه، وهو لا يلزم إلا إذا قبض، بدليل ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم أقرب إلى فهم النصوص، لقربهم من التنزيل، وأخذهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ورد هذا:
القول بأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض استدلال في محل النزاع، وفهم الصحابة دليل على أن عقد الهبة يفتقر إلى الحيازة، وهذا لا يعني أنه لم ينعقد، فالهبة كغيرها من العقود تنعقد بالإيجاب والقبول، واستثناء الهبة من سائر العقود يحتاج إلى دليل، وإذا كانت العقود الربوية تنعقد بالإيجاب والقبول، وإن كان القبض شرطًا في استمرارها على الصحة، فالهبة من باب أولى؛ لأن تأخر القبض في الهبة لا يمنع من استمرار انعقادها، وإنما كانت الحيازة من شرط تمام الهبة والصدقة؛ لأنهما لو أجيزا دون حيازة، لكان ذلك ذريعة إلى أن ينتفع الإنسان بماله طول حياته، ثم يخرجه عن ورثته بعد وفاته، وذلك ممنوع؛ لأن الله تعالى فرض الفرائض لأهلها، وتوعد على تعديها فقال:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة: ٢٢٩]، وهذا هو ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم.
(ث-٢٧٦) فقد روى مالك من طريق ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري،
أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلًا، ثم يمسكونها، فإن مات ابن أحدهم، قال: ما لي بيدي، لم