يجعل العقد ليس لازمًا قبله، والقول بأن الهبة الناجزة لا تختلف عن الوعد بالهبة إن شاء أمضاها، وإن شاء رجع فيها لا دليل عليه، بل غاية الأدلة تدل على أن الملك يتم بالحيازة، وهذا أمر مختلف.
الوجه الثاني:
على التسليم بأن رأي أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم يدل على أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإن الصحابة قد وقع بينهم خلاف في المسألة، وإذا قع خلاف لم يكن قول الصحابي حجة بمفرده، بل يطلب الترجيح من أدلة أخرى.
(ث-٢٨١) فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: نا همام، عن قتادة، عن الحسن،
عن النضر بن أنس، قال: نحلني أبي نصف داره، فقال أبو بردة: إن سرك أن تحوز ذلك فاقبضه فإن عمر بن الخطاب «قضى في الأنحال أن ما قبض منه فهو جائز، وما لم يقبض منه فهو ميراث (١).
[أثر أنس صحيح متصل، وأما أثر عمر فلا يضره الانقطاع بين أبي بردة وعمر؛ لأن أثر عمر قد ثبت عنه ذلك بسند صحيح في الموطأ، وسبق تخريجه].
وجه الاستدلال:
أن أنسًا رضي الله عنه ير أن الهبة نافذة، ولو لم تقبض، ولهذا قال ما قاله أبو بردة رضي الله عن رأي عمر، فإن حملنا رأي عمر على أنه يرى أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فقد خالف قول أنس قولَ عمر رضي الله عنه مما يدل على أن المسألة ليست إجماعًا بين الصحابة، مع أن رأي عمر قد تم الجواب عنه في الأدلة السابقة، وأنه ليس صريحًا في الباب، والله أعلم.