للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل الثاني:

(ح-١١٥٨) وقال - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه (١).

وإذا كان الرضا شرطًا في العقود المالية، فإن المعمر لم يهب المال مطلقًا، وإنما وهبه مقيدًا، وهذا هو معنى العمرى، وهو أن يقول الرجل للرجل: هو لك ما عشت، أي مدة عمرك، فكيف نخالف شرط الواهب، ونقول: قد خرجت العين من ملكك، حتى ولو كان قصدك أن يكون ذلك مؤقتًا، ولا عبرة بشرطك، ولا رضاك، مع أن المحكم في المعاملات المالية المقاصد والمعاني وليست الألفاظ والمباني، فإذا أعار المالك عينًا بلفظ (العمرى) مدة معينة، أو مدة حياته، كان المعتبر قصده وما أراد؛ لأنه مالك للعين، متبرع بها، لا نتجاوز قصده وإرادته.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن العمرى لا تقتضى نقل الملك عن الرقبة بدليل أنه لو قال: بعتك شهرًا، أو تصدقت بها عليك شهرًا، وأراد نقل ملك الرقبة بهذا اللفظ لم يصح، كذلك إذا قال: أعمرتكه شهرًا؛ أو مدة عمرك؛ لأنه علقه بوقت مقيد.

«قال إبراهيم بن إسحاق الحربي عن ابن الأعرابي: لم يختلف العرب في العمرى والرقبى، والإقفار والإحبال والمنيحة، والعرية، والعارية، والسكنى، والإطراق أنها على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له» (٢).


(١). معنى الحديث ثابت في الصحيحين من حديث أبي بكرة عند البخاري (١٧٤١) ومسلم (١٦٧٩)، ورواه البخاري (١٧٣٩) من حديث ابن عباس (١٧٣٩)، ومسلم من حديث جابر (١٢١٨). وحرمة مال المسلم مقطوع به، مجمع عليه. هذا من حيث الفقه
وأما دراسة الحديث من حيث الإسناد فقد خرجت طرقه في عقد الشفعة، انظر (١٠/ ١٥٩).
(٢). المغني (٥/ ٤٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>