وليس الأمر بالإشهاد من أجل خوف كتمانها، بل من أجل هذا ومن أجل مصالح أخرى منها الخوف على ضياعها بموت أو نسيان، ولهذا أمر الله بالإشهاد بالبيع، ولم يكن ذلك واجبًا، قال تعالى:{وَأَشهِدُوا إِذَا تَبَايَعتُم}[البقرة: ٢٨٢].
قال ابن عبد البر: معنى هذا الحديث عندي والله أعلم أن ملتقط اللقطة إذا عرفها وسلك فيها سنتها ولم يكن مغيبًا ولا كاتمًا، وكان معلنًا معرفًا وحصل بفعله ذلك، أمينًا لا يضمن إلا بما يضمن به الأمانات، وإذا لم يعرفها، ولم يسلك بها سنتها، وغيب، وكتم، ولم يعلم الناس أن عنده لقطة، ثم قامت عليه البينة بأنه وجد لقطة ذكروها، وضمها إلى بيته، ثم ادعى تلفها ضمن؛ لأنه بذلك الفعل خارج عن حدود الأمانة» (١).
ولأنه قد يشهد الملتقط احتياطًا لنفسه، ويضمر التقاطها لنفسه لا لتعريفها، فلا يكون الإشهاد مانعًا من الغصب، ولأن الإشهاد على أصل اللقطة لا على جميع صفاتها، فجميع صفاتها لا تعلم إلا من جهته، وهذا يدل على أن ترك الإشهاد لا يخرج اللقطة عن سبيل الأمانات.
الدليل الثاني:
أخذ مال الغير يوجب الضمان، ولا يخرجه عن ذلك إلا أحد أمرين، إما أن يشهد أنه أخذها لصاحبها، أو يصدقه المالك أنه أخذها لمصلحة ربها، وليس لنفسه، أما دعواه أنه أخذها لصاحبها إذا لم يصدقه المالك فهي دعوى تحتاج إلى بينة، فلا يسقط عنه الضمان بمجرد الدعوى.