أكرمه غاية الإكرام، وأشار إليه بالرُّجوع إلى الوطن، فرجع ولزم الطريقة المستقيمة إلى أن سُئِلَ أن يُدرِّس ويعظ فأجاب إلى ذلك. ولم يزل يفتر أمره قليلاً قليلاً، وأصابه ضعف في أعضائه واشتدَّ به، وأخذه فالج فاعتقل لسانه إلا عن الذِّكر، وبقي بعد ذلك قريباً من شهر وتوفي.
سمع أباه، وأبا عثمان الصَّابوني، وأبا الحسين الفارسي، وأبا حفص بن مسرور، وجماعة، وببغداد ابن النَّقور وأبا القاسم المهرواني، وبمكة أبا القاسم الزَّنجاني، وجماعة.
وحدًّث بالكثير، روى عنه سبطه أبو سعد عبد الله بن عمر الصَّفار، وأبو الفُتُوح الطائيُّ، وأبو الفضل الطُّوسي خطيب الموصل، وعبد الصَّمد بن علي النَّيسابوري، وجماعة، وبالإجازة الحافظان ابن عساكر، وابن السَّمعاني.
وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، وهو في عشر الثمانين.
ذكره عبد الغافر، فقال: زين الإسلام أبو نصر إمام الأئمة وخير الأمة، وبحر العلوم وصدر القروم، أشبههم بأبيه خلقاً، حتى كأنه شُقَّ منه شقًّا، كمل في النَّظم والنَّثر حتى حاز فيهما السَّبق، ثم لزم إمام الحرمين فأحكم عليه المذهب والخلاف والأصول، وصحبه ليلاً ونهاراً، وكان الإمام يعتدُّ به. ثم خرج حاجًّا، ورأى أهل بغداد فضله وكماله، وبدا له من القبول ما لم يُعْهد لأحدٍ قبله، وحضر مجلسه الخواص وأطبقوا على أنهم لم يروا مثله في تبحُّره، فحجَّ وعاد إلى بغداد. إلى أن قال: وبلغ الأمر في التَّعصب له مبلغاً كاد أن يؤدي إلى الفتنة. ثم حجَّ ثانياً من قابل واستدعاه النِّظام فبقي أهل بغداد عطاشاً إليه، وقد سمع الكثير في صباه.
قلت: آخر مَنْ سمع منه سبطه أبو سعد الصَّفار.
قال أبو عمرو ابن الصلاح: قال شيخنا أبو بكر القاسم بن عبد الله الصَّفَّار: ولد أبي سنة ثمان وخمس مئة، وسمع وهو ابن أربع سنين أو أزيد من جده أبي نصر ابن القُشيري. قال: والعجب أنه كَتَبَ مع صغره الطبقة بخطِّه، وبقي إلى سنة ست مئة.