للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحلبية بنواحي البلد، واستؤصلت الزروع والفاكهة من الأوباش، وغلت الأسعار، وتأهبوا لحفظ البلد، فجاءت رسُل نور الدين يقول: أنا أؤثر الإصلاح للرعية وجهاد المشركين، فإن جئتم معي في عسكر دمشق وتعاضدنا على الجهاد، فذلك المراد، فلم يُجيبوه بما يرضيه، فوقعت مناوشة بين العسكرين، ولم يزحف نور الدين رِفقًا بالمسلمين، ولكن خربت الغوطة والحواضر إلى الغاية بأيدي العساكر وأهل الفساد، وعُدم التبن، وعظُم الخطب، والأخبار متوالية باحتشاد الفرنج، واجتماعهم لإنجاد أهل البلد، فضاقت صدور أهل الدين، فدام ذلك شهرًا، والجيش النوري في جمْع لا يُحصى، وأمداده واصلة، وهو لا يأذن لأحد في التسرّع إلى القتال، ولكن جُرح خلق.

ثم ترحّل بهم إلى ناحية الأعوج لقرب الفرنج، ثم تحوّل إلى عين الجرّ بالبقاع، فاجتمعت الفرنج مع عسكر دمشق، وقصدوا بصرى لمنازلتها، فلم يتهيأ لهم ذلك، وانكفأ عسكر الفرنج إلى أعمالهم، وراسلوا مجير الدين والرئيس المؤيّد يلتمسون باقي المقاطعة المبذولة لهم على ترحيل نور الدين، وقالوا: لولا نحن ما ترحّل، وورد الخبر بمجيء الأسطول المصري إلى ثغور الساحل في هيئة عظيمة وهم سبعون مركبًا حربية مشحونة بالرجال، قد أُنفِق عليها على ما قيل ثلاثمائة ألف دينار، فقربوا من يافا، فقتلوا وأسروا، واستولوا على مراكب الفرنج، ثم قصدوا عكا، ففعلوا مثل ذلك، وقتلوا خلقًا عظيمًا من حجاج الفرنج، وقصدوا صيدا، وبيروت، وطرابلس، وفعلوا بهم الأفاعيل، ولولا شغل نور الدين بدمشق لأعان الأصطول، وقيل إنه عرض عسكره، فبلغوا ثلاثين ألفًا.

ثم عاد نحو دمشق، وأغارت جنوده على الأعمال، واستاقوا المواشي، ونزل بداريا، فنودي بخروج الجند والأحداث، فقلّ من خرج، ثم إنه قرُب من البلد، ونزل بأرض القطيعة، ووقعت المناوشة، فجاء الخبر إلى نور الدين بتسلّم نائبه الأمير حسن تل باشر بالأمان، ففرح، وضُربت في عسكره الكوسات والبوقات بالبشارة، وتوقف عن قتال الدمشقيين ديانةً وتحرُّجًا، وترددت الرسل في الصلح على اقتراحات تردّد فيها الفقيه برهان الدين

<<  <  ج: ص:  >  >>