العلوم، والاستبحار فيها، والجمع لها، مقدّمًا في المعارف كلها، متكلمًا في أنواعها، نافذًا في جميعها، حريصًا على آدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، يجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق مع حُسن المعاشرة، ولين الكنف، وكثرة الاحتمال، وكرم النفس، وحُسن العهد، وثبات الودّ، واستُقضي ببلده، فنفع الله به أهلها لصرامته وشدّته، ونفوذ أحكامه، وكانت له في الظالمين سورةٌ مرهوبة، ثم صُرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم وبثّه، قرأت عليه، وسمعت منه بإشبيلية، وقرطبة كثيرًا من روايته وتواليفه، وتوفي بالعدوة، ودُفن بفاس في ربيع الآخر.
وقال ابن عساكر: سمع أبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبا الفضل بن الفرات، وأبا البركات أحمد بن طاوس، وجماعة، وسمع ببغداد: نصر بن البطِر، وابن طلحة النّعالي، وطِراد بن محمد، وسمع ببلده من خاله الحسن بن عمر الهوزني، يعني المذكور سنة اثنتي عشرة.
قلت: ومن تصانيفه: كتاب عارضة الأحوَذي في شرح الترمذي، وكتاب التفسير في خمس مجلدات كبار، وغير ذلك من الكتب في الحديث، والفقه، والأصول.
وورّخ وفاته في هذه السنة أيضًا الحافظ أبو الحسن بن المفضل، والقاضي أبو العباس بن خلّكان.
وكان أبوه رئيسًا، عالمًا، من وزراء أمراء الأندلس، وكان فصيحًا، مفوَّهًا، شاعرًا، توفي بمصر في أول سنة ثلاث وتسعين.
روى عن أبي بكر: عبد الرحمن وعبد الله ابنا أحمد بن صابر، وأحمد بن سلامة الأبّار الدمشقيون، وأحمد بن خلف الكلاعي قاضي إشبيلية، والحسن بن علي القرطبي الخطيب، والزاهد أبو عبد الله محمد بن أحمد بن المجاهد، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد الفِهري، ومحمد بن إبراهيم ابن الفخّار، ومحمد بن مالك الشريشي، ومحمد بن يوسف بن سعادة الإشبيلي، ومحمد بن علي الكُتّامي، ومحمد بن جابر الثعلبي، ونجبة بن يحيى الرّعَيني، وعبد الله