للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان الذهبي يولي التراجم عنايته الفائقة أصلًا، فإنه لم يخلص الحوادث منها، فصار يذكر أسماء وفيات المشهورين ضمن الحوادث باعتبار ذلك حدثًا تاريخيًا مهمًا من الواجب ذكره وتعيينه، بل إننا نجد حوادث بعض السنين ما هي إلا مختصر لوفيات كبار المترجمين، لاسيما في الفترة الواقعة بين سنتي ٤١ - ٣٥٥ هـ، وهي الفترة التي نظم التراجم فيها على حروف المعجم ضمن كل عشر سنوات، فأصبح محتاجًا لتقديم وفيات الأعلام ضمن حوادث السنة.

إن مراكز القوى في الدولة الإسلامية هي التي حددت في كثير من الأحيان كمية المعلومات التي يقدمها الذهبي عن بلد ما من البلدان الإسلامية بالرغم من أنه أراد لكتابه الشمولَ المكاني باعتباره تاريخًا للإسلام أجمع. ولذلك وجدنا الحوادث المذكورة في كتابه تدور على عهد الأمويين في نطاق الشام والعراق بينما ازداد اهتمامه بالعراق حينما أصبح مركزًا للخلافة العباسية حتى كادت الحوادث تقتصر عليه في كثير من الأحيان. وفي بعض سني القرن الرابع الهجري نجد الذهبي يركز على أخبار الحمدانيين بحلب بسبب حروبهم المشهورة التي شنوها على البيزنطيين، ثم يعود إلى العناية التامة بأخبار العراق والعباسيين ويستمر في ذلك حتى منتصف القرن السادس الهجري تقريبًا بحيث يكاد كتابه يقتصر عليهم في كثير من حوادث السنين (١)، إلا أنه يتحول بُعيد هذا التاريخ فيعنى بأخبار الزنكيين في الجزيرة وبلاد الشام ومن بعدهم بالأيوبيين ولا سيما في عهد صلاح الدين بسبب نظرته إلى أهمية الأحداث التي قاموا بها في رد المعتدين عن ديار الإسلام فتشعر في بعض السنوات وكأنه دَوَّن تاريخه لهم وقَلَّ اهتمامه بأخبار الخلافة العباسية نسبيًا. وتوجه الذهبي بعد سقوط بغداد بيد هولاكو سنة ٦٥٦ هـ إلى العناية التامة بتوريخ حوادث بلاد الشام ومصر حيث احتلت الحيز الأعظم من الحوادث، بل ظلت أخبارها في تزايد مستمر سنة بعد أخرى حتى كادت تقتصر عليها في الربع الأخير من القرن السابع الهجري فصار "تاريخ الإسلام" في هذه الفترة أقرب شبها بالتواريخ المحلية.


(١) انظر مثلًا الورقة ٢ - ٤٥ (أيا صوفيا ٣٠١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>