للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لم تسع مرارة ابن الجوزي بأن يترجمه بأكثر من هذا لما في قلبه له من البغض، نعوذ بالله من الهوى.

أنبأنا أبو بكر بن طرخان أن الشيخ الموفق أخبرهم قال - وقد سئل عن الشيخ عبد القادر رضي الله عنه: أدركناه في آخر عمره، فأسكننا في مدرسته، وكان يعنى بنا، وربما أرسل إلينا ابنه يحيى فيسرج لنا السراج، وربما يرسل إلينا طعاما من منزله، وكان يصلي الفريضة بنا إماما، وكنت أقرأ عليه من حفظي من كتاب الخرقي غدوة، ويقرأ عليه الحافظ عبد الغني من كتاب الهداية، في الكتاب وما كان أحد يقرأ عليه ذلك الوقت سوانا، فأقمنا عنده شهرا وتسعة أيام ثم مات، وصلينا عليه ليلا في مدرسته. ولم أسمع عن أحد يحكى عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عنه، ولا رأيت أحدا يعظمه الناس من أجل الدين أكثر منه، وسمعنا عليه أجزاء يسيرة.

قرأت بخط السيف ابن المجد الحافظ: سمعت أبا عبد الله محمد بن محمود المراتبي يقول: سمعت الشيخ أبا بكر العماد رحمه الله قال: كنت قد قرأت في أصول الدين، فأوقع عندي شكا، فقلت: حتى أمضي إلى مجلس الشيخ عبد القادر، فقد ذكر أنه يتكلم على الخواطر. فمضيت إلى مجلسه وهو يتكلم، فقال: اعتقادنا اعتقاد السلف الصالح والصحابة. فقلت في نفسي: هذا قاله اتفاقا. فتكلم ثم التفت إلى الناحية التي أنا فيها فأعاد القول، فقلت: الواعظ يلتفت مرة هكذا، ومرة هكذا. فالتفت إلي ثالثة وقال: يا أبا بكر - فأعاد القول - قم فقد جاء أبوك، وكان غائبا. فقمت مبادرا إلى بيتنا، وإذا أبي قد جاء.

قلت: ونظير هذه الحكاية ما حدثنا الفقيه أبو القاسم بن محمد بن خالد قال: حدثني شيخنا جمال الدين يحيى ابن الصيرفي قال: سمعت أبا البقاء النحوي قال: حضرت مجلس الشيخ عبد القادر، فقرؤوا بين يديه بالألحان، فقلت في نفسي: ترى لأي شيء ما ينكر الشيخ هذا؟ فقال الشيخ: يجيء واحد قد قرأ أبوابا من الفقه ينكر. فقلت في نفسي: لعل أنه قصد غيري. فقال: إياك نعني بالقول. فتبت في نفسي من اعتراضي على الشيخ. فقال: قد قبل الله توبتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>