الطهارات، حتى أنه ما كان يثق بكل أحد. وكان لا يدع أحدًا يمس مداسه. وقد حضرته يومًا وأخذ منطرًا وجبة برد قد أهديا له، وكانا جديدين بطراوتهما، فجاء بهما إلى بركة فيها ماء وطين وورق الشجر، فغمسهما في الماء وسمعته يقول: قليلًا قليلًا ثقة بالله. فغسلهما، وانطفأت نضارتهما. وكان لا يبالي ما لبس. ولا يلبس الكتان بل القطن، ثياب قصار، وأكمام قصار، وعمامة نحو سبعة أذرع. وكان لا يتشهى المواكيل، ولا يكاد يأمر بصنعة طعام. وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادًا وفعلًا. كان لا يكاد يبدأ في أمر إلا ابتدأ فيه بسنة إما دعاء وإما غير ذلك. وكان معظما للسنة بحيث إنه كان إذا دخل مجلسه أحد، فقدم رجله اليسرى كلف أن يرجع فيقدم اليمنى.
وكان لا يمس أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو على وضوء، ولا يدع شيئًا قط إلا مستقبل القبلة تعظيمًا لها.
ورآني يومًا وعلى رأسي قلنسوة سوداء مكشوفة فقال لي: لا تلبسها مكشوفة، فإن أول من أظهر لبس هذه القلانس أبو مسلم الخراساني. ثم شرع في ذكر أبي مسلم، فذكر أحواله من أولها إلى آخرها.
قال: وسمعت من أثق به يحكي أن السلفي رأى طبقة بخط أبي العلاء فقال: هذا خط أهل الإتقان. وسمعته يحكي عنه أنه ذكر له فقال: قدمه دينه. وسمعت من أثق به يحكي عن أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي أنه قال للحافظ أبي العلاء لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك. وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول، وذكر رجلًا من أصحابه رحل: إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت سفرته. قال: وقد روى عنه الحافظ أبو القاسم.
وقال الحافظ محمد بن محمود الحمامي الهمذاني: ولد شيخنا أبو العلاء في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
قال: وتوفي في تاسع عشر جمادى الأولى.
وذكره ابن النجار فقال: إمام في علوم القراءات، والحديث، والأدب، والزهد، والتمسك بالسنن.