للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن الرميمي، فلم يزل على المرية إلى أن دخلها الفرنج واستباحوها. وأما جيان وحصن شقورة، وتلك الناحية فاستولى عليها عبد الله بن همشك، وربما تملك قرطبة أيامًا يسيرة. وأما إشبيلية، وغرناطة فأقامت على طاعة المرابطين. وأما غرب الأندلس، فقام به دعاة فتن ورؤوس ضلالة، منهم أحمد بن قسي، وكان في أول أمره يدعي الولاية، وكان ذا حيل وشعوذة ومعرفة بالبلاغة، فقام بحصن مارتلة، ثم اختلف عليه أصحابه وتحيلوا فأخرجوه من الحصن وأسلموه إلى جند عبد المؤمن، فأتوه به، وهو الذي قال له عبد المؤمن: بلغني أنك دعيت إلى الهداية. فقال: أليس الفجر فجرين، كاذب وصادق؟ فأنا كنت الفجر الكاذب. فضحك وعفا عنه.

وجهز عبد المؤمن الشيخ أبا حفص عمر إينتي، فعدى البحر إلى الأندلس، فافتتح الجزيرة الخضراء، ثم رندة، ثم افتتح إشبيلية، وغرناطة، وقرطبة. وسار عبد المؤمن في جيوشه وعبر من زقاق سبتة، فنزل جبل طارق، وسماه جبل الفتح. فأقام هناك أشهرًا، وابتنى هناك قصورًا عظيمة ومدينة، فوفد إليه رؤساء الأندلس، ومدحه شعراؤها، فمن ذلك:

ما للعدى جنة أوقى من الهرب … أين المفر وخيل الله في الطلب

وأين يذهب من في رأس شاهقةٍ … وقد رمته سهام الله بالشهب

حدث عن الروم في أقطار أندلسٍ … والبحر قد ملأ البرين بالعرب (١)

فلما أتم القصيدة قال عبد المؤمن: بمثل هذا تمدح الخلفاء.

ثم استعمل على إشبيلية ولده يوسف الذي ولي الأمر من بعده، واستعمل على قرطبة وبلادها أبا حفص إينتي، واستعمل على غرناطة ابنه عثمان بن عبد المؤمن، ورجع إلى مراكش وترك بالأندلس جيشًا كثيفًا من المصامدة والعرب.

وكان قد استخدم العرب الذين ببلاد بجاية، وهم قبائل من بني هلال بن عامر، خرجوا إلى البلاد حين خلى بنو عبيد بينهم وبين الطريق إلى المغرب، فعاثوا في القيروان عيثًا شديدًا أوجب خرابها إلى اليوم، ودوخوا مملكة بني زيري بن مناد، وهذا كان بعد موت المعز بن باديس، فانتقل ابنه تميم إلى


(١) الأبيات في المعجب ٢٨٥، وفيه: "العِبْرينِ" بدل "البَرَّينِ".