ومن كتاب عماديّ في حصار الكرك يقول: لولا الخندق الذي هو وادٍ لسهل المشرع، فعملنا دبّابات قدّمناها، وبنينا إلى شفيره ثلاثة أسراب باللّبن وسقفناها، وشرعنا في الطمّ، وتسارع الناس، ولم يبق إلاّ من يستبشر بالعمل، وتجاسروا حتى ازدحموا نهارًا، كازدحامهم يوم العيد وليلًا كاجتماعهم في جامع دمشق ليلة النصف السعيد، وهم من الجراح سالمون، وبنصر الله موقنون.
وإن أبطأ العدوّ عن النجدة فالنصر قريب سريع، والحصن بمن فيه صريع، قد خرقت الحجارة حجابه، وقطعت بهم أسبابه، وناولته من الأجل كتابه، وحسرت لثام سوره وحلت نقابه، فأنوف الأبراج مجدوعة، وثنايا الشرفات مقلوعة ورؤوس الأبدان محزوزة، وحروف العوامل مهموزة، وبطون السقوف مبقورة، وأعضاء الأساقف معقورة، ووجوه الجدر مسلوخة، وجلود البواشير مبشورة، والنّصر أشهر من نار على علم، والحرب أقوم من ساق على قدم.
وقدم السلطان وبدمشق الرسولان شيخ الشيوخ صدر الدّين والطواشي بشير، فمرضا، ومات جماعة من أصحابهما. وكان الشيخ نازلًا بالمنيبع، فكان السلطان يعوده في كلّ يوم. وكان قدومهما في الصلح بين السلطان وبين عزّ الدّين صاحب الموصل، فلم ينبرم أمر. فطلبا العود إلى بغداد، وعادا، فمات بشير بالسّخنة، وشيخ الشيوخ بالرحبة.
وأذن السلطان للجيوش بالرجوع إلى أوطانهم، وخلع على نور الدّين بن قرا رسلان صاحب حصن كيفا الخلعة التي جاءته هذه المرّة من الخليفة بعد أن لبسها السلطان. ثم كتب لزين الدّين يوسف ابن زين الدّين عليّ صاحب إربل منشورًا بإربل وأعمالها لمّا اعتزى إليه، وفارق صاحب الموصل.
ثم وصلت رسل زين الدّين يوسف إلى السلطان بأنّ عسكر الموصل وعسكر قزل صاحب العجم نازلوا إربل مع مجاهد الدّين قيماز. وأنّهم نهبوا وأحرقوا، وأنّه نصر عليهم وكسرهم، فكان هذا ممّا حرّك عزم السلطان على قصد الموصل هذه المرّة. فسار السلطان على طريق البقاع وبعلبك، ثمّ حمص وحماة، فأقام بحماة إلى انسلاخ السّنة.
وفيها مات صاحب ماردين قطب الدّين إيلغازي ابن نجم الدّين الأرّتقيّ.