وكان السبب في خلاص ابن الجوزي أن ابنه محيي الدين يوسف ترعرع وقرأ الوعظ، وطلع صبيًا ذكياً، فوعظ، وتكلمت أم الخليفة في خلاص ابن الجوزي فأطلق، وعاد إلى بغداد، وكان يقول: قرأت بواسط مدة مقامي بها كل يوم ختمة، ما قرأت فيها سورة يوسف من خزني على ولدي يوسف وشوقي إليه، وكان يكتب إلى بغداد أشعارًا كثيرة.
وذكره شيخنا ابن البزوري، فأطنب في وصفه، وقال: فأصبح في مذهبه إمامًا يشار إليه، ويعقد الخنصر في وقته عليه، ودرس بمدرسة ابن الشمحل، ودرس بالمدرسة المنسوبة إلى الجهة بنفشا المستضيئية، ودرس بمدرسة الشيخ عبد القادر، وبنى لنفسه مدرسة بدرب دينار، ووقف عليها كتبه، برع في العلوم، وتفرد بالمنثور والمنظوم، وفاق على أدباء مصره، وعلا على فضلاء دهره، له التصانيف العديدة، سئل عن عددها فقال: زيادة على ثلاث مائة وأربعين مصنفاً، منها ما هو عشرون مجلدًا، ومنها ما هو كراس واحد، ولم يترك فنًا من الفنون إلا وله فيه مصنف، كان أوحد زمانه، وما أظن الزمان يسمح بمثله، ومن مؤلفاته كتاب المنتظم، وكتابنا ذيلٌ عليه.
قال: وكان إذا وعظ اختلس القلوب، وشققت النفوسُ دون الجيوب.
إلى أن قال: توفي ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان، وصلى عليه الخلق العظيم الخارج عن الحد، وشيعوه إلى مقبرة باب حرب، وكان يومًا شديد الحر، فأفطر من حره خلق كثير، وأوصى أن يكتب على قبره:
يا كثير الصفح عمن كثر الذنبُ لديه جاءك المذنب يرجو ال عفو عن جرم يديه أنا ضيفٌ وجزاءُ الضي ف إحسان إليه وقال سبطه أبو المظفر: جلس رحمه الله يوم السبت سابع رمضان تحت تربة أم الخليفة المجاورة لمعروف الكرخي، وكنت حاضراً، وأنشد أبياتًا قطع عليها المجلس، وهي: