الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات والنغمات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون، ولا يضيع من زمانه شيئاً، يكتب في اليوم أربعة كراريس، ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدًا إلى ستين.
وله في كل علم مشاركة، لكنه في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التواريخ من المتوسعين، ولديه فقه كافٍ، وأما السجع الوعظي فله فيه ملكة قوية، إن ارتجل أجاد، وإن روى أبدع، وله في الطب كتاب اللقط، مجلدان، وله تصانيف كثيرة، وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوة، وذهنه حدة أكثر مما يراعي قوة بدنه ونيل لذته، جل غذائه الفراريج والمزورات، ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس، الأبيض الناعم المطيب، ونشأ يتيمًا على العفاف والصلاح، وله ذهن وقاد، وجوابٌ حاضر، ومجون لطيف، ومُداعبات حلوة، وكانت سيرته في منزله المواظبةُ على القراءة والكتابة، ولا ينفك من جارية حسناء في أحسن زي، لا تلهيه عما هو فيه، بل تعينه عليه وتقويه.
وقرأت بخط الموقاني أن أبا الفرج كان قد شرب حب البلاذر - على ما قيل - فسقطت لحيته، فكانت قصيرة جداً، وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات.
ثم عظمه وبالغ في وصفه، ثم قال: ومع هذا فهو كثير الغلط فيما يصنفه، فإنه كان يصنف الكتاب ولا يعتبره رحمه الله وتجاوز عنه.
٣٧٦ - عبد الرحمن بن أبي الكرم محمد بن أبي ياسر هبة الله، عرف بابن ملاح الشط.
سمع ابن الحصين، وأبا الحسن علي ابن الزاغوني، وأبا غالب ابن البناء، وأبا البركات يحيى بن عبد الرحمن الفارقي، وأبا بكر الأنصاري، وجماعة.
وكان شيخًا صالحًا معمراً، محبًا للرواية، وصار بوابًا لمدرسة والدة الناصر لدين الله.
روى عنه: ابن خليل، وابن النجار، والضياء، والنجيب عبد اللطيف، وابن عبد الدائم، وأجاز لابن أبي الخير، والقطب أحمد بن أبي عصرون، وسعد الدين الخضر بن حمويه، وطائفة آخرهم الشيخ الفخر.