وأقع في الأسر. ثم هرب في المرة الأخيرة وتعلق بجبل، فلما رحلوا طالبين هراة، قال: نزلنا وكنا سبعة، فأحصينا القتلى خمسمائة ألف وخمسين ألفاً، ووجدنا الأموال مُلقاة، وجزنا ببلاد الملاحدة وهي على عمارتها لم يتشعث منها شيء. وحكى لنا تاجر آخر واسطي قال: إنه اختفى بجبل وخرج بعد أيام، فرأى الأرض مسطوحة بالقتلى والأموال والمواشي، وكنتُ أنا وعشرة سلمنا، ولو كانت معنا عقولنا لأخذنا من الأموال ما يفوت الآمال، وإنما أخذنا حمل دقيق على جمل.
قال الموفق: ومما أهلكوه بلاد فرغانة وهي سبع ممالك، مسيرة أربعة أشهر، وكل من هرب منهم تحيلوا في قتله بكل ممكن، وإذا اجتمعوا في مجالس أنسهم ونزهة قلوبهم أحضروا قوماً من الأسارى، وأخذوا يمثلون بواحدٍ، واحدٍ، بأن يقطعوا منه عضواً بعد عضو، وكلما اضطرب وصاح تضاحكوا وأعجبوا، وربما حطوا السيف في جوفه أو ليته قليلاً، ومتى التمس الشخص رحمتهم ازدادوا قساوة. وإذا وقع لهم نساءً فائقات في الحسن تمتعوا بهن أياماً ثم قتلوهن. وحكت لي امرأة بحلب أنهم ذبحوا ولدها وشربوا الدم، ثم نام الذابحُ فقامت فذبحته، وهربت هي وزوجها.
وقد كان السلطان خوارزم شاه محمد بن تكش سارقاً هجاماً، وكان عسكره أوشاباً، ليس لهم ديوان ولا إقطاع، وأكثرهم أتراك كفار أو مسلمون جُهال، لا يعرف تعبئة العسكر في المصاف، ولم يتعود أصحابهُ إلا المهاجمة، وليس لهم زرد ولا دروع، وقتالهم بالنشاب. وكان يقتل بعض القبيلة، ويستخدم باقيها، وفي قلوبهم الضغائن. ولم يكن فيه شيءٌ من المداراة لا لأصحابه ولا لأعدائه، فخرج عليه هؤلاء التتار وهم بنو أب، بكلمة واحدة، وقلب واحدٍ، ورئيس واحد مطاع، فلم يمكن أن يقف مثل خُوارزم شاه بين أيديهم، وورد إلى البلاد منهم ما لم يعهد، والبلاد خالية عن ملكٍ، فلم يبق عند أحد منهم دفاع، وصاروا كالغنم لا تدفع عنها ذابحاً. فلما وصل التتر إلى أصبهان لم يرتع أهلها لأنهم معودون بحمل السلاح، فلم يكن عندهم أحقر من هذا العدو. إلى أن قال: والله سُبحانه يحب العدل والعمارة ويأمر بهما،